ر6332 زيارة 

۞ القِـسـم : مقالات فقهية أصولية
۞ تاريخ الرفع : 16-08-2016 م .


بسم الله الرحمن الرحيم
تحرير القول في مسألة الطلاق البدعي هل يقع؟ أم لا؟

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده -صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا- أمّا بعد :
فـقد قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية الإمامُ الجهبذ في «مجموعة الرسائل الكبرىٰ» (1/ 102) «الفرقان بين الحق والباطل» : (( العِلْمُ ما جاء به الدليل )) اهـ0
وهو القاعدة (328) مِن كتاب العلَّامة السعدي «طريق الوصول إلَى العِلْم المأمول»0
ولكي تستقيم مسائلُ الشريعة عند أهل العِلْم ، فلا بُدَّ أن تُحَـقَّـقَ كُلُّ مسألةٍ مِن مسائلها علىٰ منهج أهل الدليل ، لِـيُـعْـلَمَ الحـقُّ مِن الباطل ، ولِـيَعْـبُدَ المؤمنون ربَّهم علىٰ بَـيِّـنَةٍ مِنْ أمرِهم0
وقال الإمامُ ابن القيم في «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (1/ 14) : (( قال الشافعيُّ -قدَّسَ الله رُوحَه- : «أجمعَ المسلمون علىٰ أنَّ مَن استبانتْ له سُـنَّةُ رسولِ الله ﷺ لَمْ يكُن له أن يدَعَها لِقول أحدٍ مِن الناس»0
قال أبو عمر وغيرُهُ مِن العلماء: «أجمع الناسُ علىٰ أنَّ المُـقَـلِّدَ ليس معدودًا مِنْ أهل العِلْم ، وأنَّ العِلْمَ: معرفةُ الحـقِّ بدليله»0
وهذا كما قال أبو عُمَر -رحمه الله تعالىٰ- فإنَّ الناسَ لا يختلفون أنَّ العِلْمَ هو المعرفة الحاصلة عن الدليل ، وأمَّا بدون الدليل فإنَّما هو تقليد )) اهـ0
ومِنْ أَجَـلِّ ما يُـتَـقَـرَّبُ به إلَى الله تبيين مسائل الشريعة ؛ لأنَّ الله تعالىٰ وَصَفَ كتابَهُ بالبيان ، فـقال: ﴿هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ[آل عمران: 138] ، وقال: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ[النحل: 44] 0
وروَى البخاريُّ في صحيحه (14، 16) مِن حديث أبي هريرة وأنس ﭭ عن النبي ﷺ قال:
(( فوالذي نفسي بيده ، لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِن والدهِ وولدهِ والناسِ أجمعين ))0
ومِن مسائل الشريعة التي تكثر فيها الفـتوىٰ جِدًّا ، والناسُ في أَمَسِّ الحاجَةِ إليها: مسائلُ الطَّلاق0
ومسائل الطلاق كغيرها مِن مسائل الشريعة منها ما أجمع عليه المسلمون، ومنها ما قام فيها الخِلافُ ، ومِن الخِلاف ما كان مُـعـتَبرًا ، ومنه ما ليس معتبرًا ، فليس كُلُّ خِلافٍ مُـعـتَبرًا إلَّا ما كان له حظٌّ مِن النظَر0
وفي كل خِلافٍ قد وَقَعَ في مسألةٍ مِن مسائل الشريعة، فالحـقُّ فيها واحد ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ ، وقد تَوَجَّبَ علىٰ مَنْ آتاهُ الله آلةَ الاستنباط والفَهْم والترجيح أن يُحَـقِّـقَ القولَ في هذه المسألة المطروحة ؛ لأنه أوَّلاً: يتعبد إلَى الله بما ترجَّحَ عنده ، وثانيًا: يُـفْـتِي فيها الناسَ ، والفـتوىٰ أمانة ومسئولية عظيمة ، سـيُسأل عنها صاحبها ؛ قال تعالىٰ: ﴿وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡ‍ُٔولُونَ[الصافات: 24]0
وروَى ابنُ ماجه في مقدمة سُـننه (53) ، وأبو داود في سُـننه (3654) ، وذَكَرَهُ السيوطي في «الجامع الصغير» (8490) ، ورَمَـزَ لصحته ، عن أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ قال:
(( مَنْ أُفْـتِـيَ بغير عِلْمٍ كان إثْمُهُ علىٰ مَنْ أفْـتاه ))0
وفي رواية ابن ماجه: (( مَنْ أُفْـتِـيَ بِـفُـتْـيَا غير ثَـبْتٍ…))0
وفي رواية بزيادة: (( ومَنْ أشار علىٰ أخيه بأمرٍ يعلم أنَّ الرَّشَدَ في غيره فـقد خانه ))0
والحديث اختلفوا فيه ، ومعناه -جَـزْمًا- صحيح0
والرَّجُلُ مِنْ أهل العِلْم إذا اجتهد وأدَّىٰ ما عليه مِن الاجتهاد والبحث والنظر والتحقيق ثُمَّ أخطأ فلهُ أجرُهُ ؛ لِـنَصَبهِ علَى البحث ، وليس له هذا الأجر إن قَـصَّرَ في البحث ؛ لأنَّ الذي يُـقَـصِّر في البحث لا يَصْدُقُ عليه أنه اجتهَد ؛ لأنَّ الاجتهاد لُـغَـةً: بذلُ الوُسْع ، واصطلاحًا: استفراغ الفقيه الوُسْعَ لِـيحصلَ له ظَنٌّ بِحُكْمٍ شرعيٍّ ، وقـيل: بذلُ المجهود في طلب المقصود مِن جهة الاستدلال [التعريفات(ص5)]0
وروَى البخاري في صحيحه (7352) ، ومسلمٌ (1716) ، مِنْ حديث عمرو بن العاص ﭬ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (( إذا اجتهد الحاكمُ فأصابَ فلهُ أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فلهُ أجرٌ ))0
والأجر الآخَر علىٰ إصابة الحق0
وهذا الحديث هو الدليل علىٰ أنَّ الحق في مسائل الشريعة واحد0
* مسألة الطَّلاق البِدْعِيِّ :
فمِن مسائل الشريعة التي طال فيها الخلافُ ، وهي مِن المسائل التي تتجاذَبُها الأدلة ، الطلاقُ البِدْعِـيُّ ، هل يقع أم لا ؟
والذي عليه جماهيرُ أهل العِلْم ، وهو الراجح عندي ، والذي أعتبره أقرب للصواب وأجمع للأدلة ، وُقُوعُهُ0
قال الفقيهُ الأصوليُّ الشوكانِيُّ في كتابه «السَّـيْل الجَـرَّار» (2/ 369-372) :
(( قوله: «وبِدْعِـيُّهُ ما خالَفَهُ ، فـيأثم ويقع»: أقول: الذي دَلَّ علىٰ هذا الطَّلاقِ المُسَمَّىٰ بطلاق السُّـنة هو حديث ابن عمر الذي قدَّمنا ذِكْـرَ بعضِ طُـرُقِـهِ ، وقد وَرَدَ فيه في رواية الصحيحين وغيرهما: «وكان عبد الله طلَّق تطليقةً ، فحُسِبَتْ مِن طلاقها»حاشية(1)0
_____________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه (4908، 7160) ، ومسلم (4/ 1471)0

وفي رواية لمسلم: أنَّ ابن عمر كان إذا سُئل عن ذلك قال لِأَحَدِهم: «أمَا إن طلَّقتَ امرأتَكَ مرةً أو مرتين ، فإنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ- أمرني بهذا ، وإن كنتَ قد طلَّقتَ ثلاثًا حَرُمَتْ عليك حتىٰ تَـنكِحَ زوجًا غيرك ، وعصيتَ اللهَ -عَـزَّ وجَلَّ- فيما أمرك به طلاق امرأتك»حاشية(2)0
_____________________________
(2) رواه مسلم في صحيحه (3/ 1471) ، وبقية الحديث: «وبانتْ منك»0

وفي لفظٍ في الصحيحين وغيرهما: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مُـرْهُ فـلْـيُـرَاجِـعْها»حاشية(3)0
_____________________________
(3) رواه البخاري في صحيحه (5232) ، ومسلم (1471)0

وفي لفظٍ للبخاري عن ابن عمر أنه قال: «حُسِبَتْ عليَّ تطليقة»حاشية(4)0
_____________________________
(4) رواه البخاري في صحيحه (5253)0

فهذه الروايات تدل علىٰ وقوع البدعيِّ ، وقد ذهبَ إلىٰ ذلك الجمهور0
واستدلَّ القائلون بعدم وقوعه بما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ: «فـرَدَّها عليَّ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ- ولَمْ يَـرَها شيئًا»حاشية(5)، ورجال الحديث رجال الصحيح0
_____________________________
(5) رواه أحمد في المسند (5524) ، وأبو داود في السنن (2185) ، والنسائي في المجتبىٰ (3392)0

قال ابنُ حجر: وإسناد هذه الزيادة علىٰ شرط الصحيح، وقال ابنُ القيم: إنَّ هذا الحديثَ صحيح، قال الخَطَّابِيُّ حاشية(6) : قال أهل الحديث: لَمْ يَـرْوِ أبو الزبير أنكَرَ مِنْ هذا الحديث، وقد يحتمل أن يكون معناه: ولَمْ يرَها شيئًا يحرُمُ معه المراجعة، أو لَمْ يرَها شيئًا جائزًا في السُّـنة ماضيًا في الاختيار0
_____________________________
(6) مَعالِم السـنن للخطابي، عند الحديث «2178» (2/ 163)0

وقال ابنُ عبد البر حاشية(7) : قوله: «ولَمْ يرَها شيئًا»: مُـنكر ، لَمْ يَـقُـلْهُ غير أبي الزبير ، وليس بحُجَّةٍ فيما خالَفَ فيه مثله ، فكيف إذا خالَفَهُ مَنْ هو أَوْثَـقُ منه ؟!
ولو صَحَّ فمعناه عندي -والله أعلم-: ولَمْ يرَها شيئًا مستقيمًا ؛ لكونها لَمْ تكن علَى السُّـنة0
_____________________________
(7) عزاه إليه ابنُ حجر في الفـتح (9/ 354)0

وقال أبو داود بعد إخراجه لهذه الزيادة: روىٰ هذا الحديثَ عن ابن عمر جماعةٌ ، وأحاديثهم علىٰ خِلاف ما قاله أبو الزبير حاشية(8)0
_____________________________
(8) سـنن أبي داود ، بعد الحديث (1285)0

وبهذا تعرف أنَّ القول بوقوع البدعِيِّ أرجح ، ويؤيد هذا أنه أخرج ابنُ وهبٍ في مسنده حاشية(9) عن ابن أبي ذئب أنه قال في الحديث عن النبي ﷺ : «وهي واحدة»0
_____________________________
(9) كذلك في سـنن الدارقطني (4/ 9)0

وقال ابنُ أبي ذئب: وحدَّثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالمًا يُحَدِّثُ عن أبيه عن النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ- بذلك0
وأخرجه الدارقطني عن يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب وأبي إسحـٰق جميعًا عن نافع عن أبي عثمان عن النبي ﷺ : «هي واحدة»حاشية(10)0
_____________________________
(10) رواه سـنن الدارقطني (4/ 9/ رقم24)0

وأخرج الدارقطني أيضًا مِن رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر في القصّة فـقال عمر: يارسول الله، أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: «نعم»حاشية(11))) اهـ0
_____________________________
(11) سـنن الدارقطني (4/ 5/ رقم4)0

قلتُ: ويؤكد ذلك عندي يقينًا رواية البخاري (5252) ، وفيها: عن أنس بن سيرين قال:
قلتُ: تُحسَب؟ قال: (( فَـمَـهْ ))0
وعن قـتادة عن يونس بن جبير عن ابن عمر قال: (( مُـرْهُ فلْـيُراجـعها ))، قلتُ: تُحسَب؟
قال: (( أرأيتَ إن عَجَـزَ واسـتحمَق؟ ))0
ثُم روىٰ بعدها البخاري (5253) عن ابن عمر قال: (( حُسِبتْ علَيَّ تطليقة ))0
روَى البخاريُّ هذين الحديثين تحت باب: «إذا طُلِّقَتْ الحائضُ تعتدُّ بذلك الطلاق»0
وفي رواية مسلم (10/ 1471) قال: قلتُ: تُحسَب؟ فـقال ابنُ عمر: (( ما يمنعه؟ ))0
قال الحافظُ في الفـتح (9/ 389-394) : (( قوله: «باب: إذا طُلِّقَتْ الحائضُ تعتدُّ بذلك الطلاق »: كذا بَتَّ الحُكْمَ بالمسألة، وفيها خلافٌ قديم عن طاووس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع، ومِن ثَمَّ نشأ سؤالُ مَن سأل ابنَ عمر … وقال أحمد: حدثنا … فذَكَرَهُ أتم منه، وفي أوَّلهِ أنه سأل ابنَ عمر عن رجلٍ طلَّق امرأته وهي حائض -وفيه- فـقال: «مُـرْهُ فلْـيُراجـعها، ثُمَّ إن بدا له طلاقها طلَّقها في قُـبُلِ عِدَّتِها وفي قُـبُلِ طُهْرِها»، قال: قلتُ لابن عمر: أفتحتسب طلاقها ذلك طلاقًا؟ قال: «نعم، أرأيتَ إن عجز واستحمق؟!»0
وقد ساقه البخاري في آخِر الباب الذي بعد هذا بنحو هذا السياق حاشية(12)0
_____________________________
(12) وهو حديث البخاري (5258)0

قوله: « فَـمَـهْ»: أصله: فما ، وهو استفهام فيه اكـتفاء ، أيْ: فما يكون إن لَمْ تُحتسَبْ ؛ ويحتمل أن تكون الهاء أصلية ، وهي كلمة تقال للزجر ، أيْ: كُفَّ عن هذا الكلام فإنَّه لا بُدَّ مِن وقوع الطلاق بذلك0
قال ابنُ عبد البر: قول ابن عمر «فَـمَـهْ»: معناه: فأيُّ شيءٍ يكون إذا لَمْ يعتد بها؟! ؛ إنكارًا لقول السائل: «أيعتد بها؟»، فكأنه قال: وهل مِن ذلك بُدٌّ؟
وقوله: «أرأيتَ إن عجز واستحمق»: أي: إن عجز عن فرضٍ فلَمْ يُـقِـمْه، أو استحمق فلَمْ يأتِ به، أيكون ذلك عُذْرًا له؟!
وقال الخطابي: في الكلام حذفٌ، أيْ: أرأيتَ إن عجز واستحمق أَيُسْقِطُ عنه الطلاقَ حُمْقُهُ أو يُـبْطِلُهُ عَجْـزُهُ؟ فحذف الجواب لدلالة الكلام عليه0
وقال المهلب: معنىٰ قوله: «إن عجز واستحمق»: يعني: عجزَ عن المراجعة التي أُمِـرَ بها عن إيقاع الطلاق، أو فَـقَدَ عَقْلَهُ فلَمْ تمكن مِنه الرجعة، أتبقَى المرأةُ مُـعلَّقَة، لا ذات بعلٍ ولا مُـطلَّقة؟ وقد نهَى الله عن ذلك، فلا بُدَّ أن تحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها علىٰ غير وجهها، كما أنه لو عجز عن فرضٍ آخَر لله فلَمْ يُـقِـمْـهُ واستحمقَ فلَمْ يأتِ به ما كان يُعذَرُ بذلك ويسقط عنه…
قال النووي: شَذَّ بعضُ أهل الظاهر فـقال: إذا طلَّقَ الحائضَ لَمْ يقع الطلاقُ؛ لأنه غير مأذونٍ فيه، فأشبه طلاقَ الأجنبية، وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض0
وقال ابنُ عبد البر: لا يُخالِف في ذلك إلَّا أهلُ البدع والضلال، يعني: الآن0
قال: ورُوِيَ مثله عن بعض التابعين، وهو شذوذ، وحكاه ابنُ العربي وغيره عن ابن عُـلَـيَّـة، يعني: إبراهيم بن إسماعيل بن عُـلَـيَّـة، الذي قال الشافعيُّ في حقه: إبراهيم ضال جلسَ في الضوال يُضِلُّ الناسَ، وكان بمصر، وله مسائلُ ينفرد بها، وكان مِن فقهاء المعتزلة0
وقد غَلَطَ مَن ظَنَّ أنَّ المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه، وحاشاه، فإنه مِن كبار أهل السُّـنة0
وكأنَّ النووي أراد ببعض الظاهرية ابنَ حزم، فإنه ممَّن جرَّدَ القولَ بذلك وانتصر له وبالَغَ، وأجاب عن أمر ابن عمر بالمراجعة بأنَّ ابن عمر كان اجتنبها فأمره أن يعيدها إليه علىٰ ما كانت عليه مِن المعاشرة، فحَمَلَ المُعاشَرةَ علىٰ معناها اللُّغَوِيِّ حاشية(13)0
_____________________________
(13) قلتُ: ووجه ذلك أنَّ قول النبي ﷺ : (( مُـرْهُ فلْـيُراجعها )) إقرار بوقوع الطلاق؛ لأنَّ المراجعة إنَّما تكون بعد الطلاق0

وتُـعُـقِّبَ بأنَّ الحَمْلَ علَى الحقيقة الشرعية مُـقَدَّمٌ علَى اللُّغَوِيَّةِ اتِّـفاقًا0
وأجاب عن قول ابن عمر: «حُسِبَتْ علَيَّ تطليقة» بأنه لَمْ يُصَرِّحْ بمَن حَسَبَها عليه! ولا حُجَّةَ في أحدٍ دون رسول الله ﷺ حاشية(14)0
_____________________________
(14) وهذا قولٌ عجيبٌ مِن ابن حزم علىٰ جلال قدره في الفقه والأصول !!

وتُـعُـقِّبَ بأنَّه مثل قول الصحابي «أُمِـرْنا في عهد رسول الله ﷺ» ، فإنه ينصرف إلىٰ مَن له الأمر حينئذٍ وهو النبي ﷺ ، كذا قال بعضُ الشُّرَّاح، وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلافُ الذي في قول الصحابي: أُمِـرْنا بكذا ؛ فإنَّ ذلك محلَّه حيث يكون اطِّلاع النبي ﷺ علىٰ ذلك ليس صريحًا حاشية(15)،
_____________________________
(15) قلتُ: حتىٰ في هذه الحالة، فهل هناك في عهد رسول الله ﷺ آمِـرٌ أو ناهٍ غير رسول الله ﷺ ؟!

وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه، فإنَّ النبيَّ ﷺ هو الآمِـرُ بالمُراجعة، وهو المُرشِدُ لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أنَّ الذي وَقَعَ منه حُسِبَتْ عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي احتسبها غير النبي ﷺ بعيدًا جدًّا حاشية(16)؛ مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، كيف يُـتَخَـيَّـلُ أنَّ ابنَ عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أنَّ النبي ﷺ تغـيَّظَ مِن صنيعهِ؟ كيف لَمْ يُشاوِرْهُ في القصة المذكورة؟!
______________________
(16) أقول: بل مستحيلٌ ووَهْمٌ0

وقد أخرج ابنُ وَهْبٍ في مسنده عن ابن أبي ذئبٍ أنَّ نافعًا أخبره أنَّ ابنَ عمر طلَّق امرأته وهي حائض، فسأل عمرُ رسولَ الله ﷺ عن ذلك فقال: «مُـرْهُ فلْـيُراجعها، ثُمَّ يُمسكها حتىٰ تطهُر»0
قال ابنُ أبي ذئب: وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالمًا يُحَدِّثُ عن أبيه عن النبي ﷺ بذلك0
وأخرجه الدارقطني مِن طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب وابن إسحـٰق جميعًا عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ: «هي واحدة»0
وهذا نَصٌّ في موضوع الخِلاف فيجب المصير إليه0
وقد أورَدهُ بعضُ العلماء علَى ابن حزم فأجابه بأنَّ قولَه: «هي واحدة»: لعلَّهُ ليس مِن كلام النبي ﷺ ، فألزمَهُ بأنه نَـقَضَ أصلَهُ؛ لأنَّ الأصلَ لا يُدْفَعُ بالاحتمال0
وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر في القصة: فقال ابنُ عمر: يا رسول الله، أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: «نعم»0 ورجاله إلىٰ شعبة ثقات0
وعنده -يعني: الدارقطني- مِن طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحيِّ عن عُـبَـيْـدِ الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ رَجُلاً قال: إني طلقتُ امرأتي أَلْـبَـتَّـة وهي حائض، فقال: «عصيتَ ربَّك وفارَقْتَ امرأتَك»، قال: «فإنَّ رسولَ الله ﷺ أمَـرَ ابنَ عمر أن يُراجِعَ امرأته» ، قال: «إنَّه أمَـرَ ابنَ عمر أن يُراجعها بطلاقٍ بَـقِـيَ له، وأنت لَمْ تُـبْـقِ ما ترتجع به امرأتك»0
وفي هذا السياق ردَّ علىٰ مَنْ حَمَلَ الرجعةَ في قصة ابن عمر علَى المعنى اللُّغويِّ، وقد وافق ابنَ حزمٍ علىٰ ذلك مِن المتأخِّرين ابنُ تيمية، وله كلامٌ طويلٌ في تقرير ذلك والانتصار له0
وأعظم ما احتجُّوا به، ما وقع في رواية أبي الزبير عن ابن عمر عند مسلمٍ وأبي داود والنسائي وفيه: فقال له رسول الله ﷺ : «لِـيُراجِعْها»، فـرَدَّها، وقال: «إذا طَهُرَتْ فلْيطلِّقْ أو يُمسِكْ» لفظ مسلم، وللنسائي وأبي داود: «فـرَدَّها علَيَّ»، زاد أبو داود: «ولَمْ يرَها شيئًا»، وإسناده علىٰ شرط الصحيح، فإنَّ مسلمًا أخرجه مِن رواية حجَّاج بن محمد عن ابن جُرَيْج000
قال أبو داود: روىٰ هذا الحديثَ عن ابن عُمَرَ جماعةٌ، وأحاديثهم كلها علىٰ خِلافِ ما قال أبو الزبير [فذَكَرَ ما ذَكَرَهُ الشوكانِيُّ في السيل الجرار، وزاد:] ونقل البيهقي في «المعرفة» عن الشافعي أنه ذكَرَ رواية أبي الزبير فقال: نافعٌ أثبتُ مِنْ أبي الزبير، والأثبتُ في الحديثين أَوْلَىٰ أن يُؤْخَذَ به إذا اختلفا، وقد وافق نافعًا غيرُهُ مِنْ أهل الثبت0
قال: وبَسَطَ الشافعيُّ القولَ في ذلك ، وحَمَلَ قولَهُ: «لَمْ يرَها شيئًا» علىٰ أنه لَمْ يَعُدَّها شيئًا صوابًا غيرَ خطإٍ ، بل يُؤْمَرُ صاحبُهُ ألَّا يُـقِـيم عليه؛ لأنه أمرَهُ بالمراجعة، ولو كان طلَّقها طاهرًا لَمْ يُؤْمَرْ بذلك، فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله ، أو أخطأ في جوابه: لَمْ يصنع شيئًا ، أي: لَمْ يصنع شيئًا صوابًا0
قال ابن عبد البر: واحتجَّ بعضُ مَن ذَهَبَ إلىٰ أنَّ الطلاقَ لا يقع؛ بما رُوِيَ عن الشعبي قال: «إذا طلَّق الرجل امرأته وهي حائض لَمْ تعتدَّ المرأةُ بتلك الحيضة في العِدَّة» ؛ كما رُوِيَ ذلك عنه منصوصًا أنه قال: «يقع عليها الطلاقُ ، ولا تعتدّ بتلك الحيضة»0
وقد روَى عبد الوهَّاب الثقفي عن عُبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحو ما نقله ابن عبد البر عن الشعبي ، أخرجه ابنُ حزم بإسنادٍ صحيح0
والجواب عنه مثله0
وروَى سعيد بن منصور مِن طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلَّق امرأته وهي حائض ، فقال رسولُ الله ﷺ : «ليس ذلك بشيء» ، وهذه متابعات لأبي الزبير ، إلَّا أنها قابلة للتأويل ، وهو أَوْلَىٰ مِنْ إلغاء الصريح في قول ابن عمر: «إنها حُسِبَتْ عليه تطليقة»0
وهذا الجمع الذي ذَكَرَهُ ابنُ عبد البر وغيره يَـتعَـيَّن ؛ وهو أَوْلَىٰ مِن تغليط بعض الثقات0
وأمَّا قول ابن عمر: «إنها حُسِبَتْ عليه تطليقة» فإنه وإن لَمْ يُصَرِّحْ برفع ذلك إلَى النبي ﷺ فإنَّ فيه تسليمَ أنَّ ابنَ عمر قال إنها حُسِبَتْ عليه ، فكيف يجتمع مع هذا قوله إنه لَمْ يعتدَّ بها أو لَمْ يرَها شيئًا ، علَى المعنَى الذي ذَهَبَ إليه المُخالِفُ؟ لأنه إن جُعِلَ الضميرُ للنبي ﷺ لَزِمَ منه أنَّ ابنَ عمر خالَفَ ما حَكَمَ به النبي ﷺ في هذه القصة خُصوصًا ؛ لأنه قال إنها حُسِبَتْ عليه تطليقة ، فيكون مَنْ حَسَبَها عليه خالَفَ كونه لَمْ يرَها شيئًا ، وكيف يُـظَنُّ به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي ﷺ عن ذلك ليفعلَ ما يأمره به ؟
وإن جُعِلَ الضميرُ في «لَمْ يعتدَّ بها» أو «لَمْ يرَها» لابن عمر، لَزِمَ منه التناقض في القصة الواحدة ، فـيُـفْـتَـقَـرُ إلَى الترجيح ، ولا شكَّ أنَّ الأخْذَ بما رواه الأكثر والأحفظ أَوْلَىٰ مِن مُـقابلهِ عند تَعذُّر الجمع عند الجمهور0
واحتجَّ ابن القيم لترجيح ما ذَهَبَ إليه شيخُه بأَقْـيِـسَـةٍ ترجع إلىٰ مسألة أنَّ النهيَ يقتضي الفسادَ ، فقال: «الطلاق ينقسم إلىٰ حلال وحرام ، فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود ، وأيضًا فكما أنَّ النهيَ يقتضي التحريمَ ، فكذلك يقتضي الفسادَ ، وأيضًا فهو طلاقٌ منعَ منه الشرعُ ، فأفادَ منعُهُ عدمَ جواز إيقاعه ، فكذلك يفيد عدم جواز نفوذه ، وإلَّا لَمْ يكن للمنع فائدة ؛ لأنَّ الزوجَ لو وَكَّلَ رَجُلاً أن يُطلِّق امرأتَهُ علىٰ وجهٍ ، فطلَّقها علىٰ غير الوجه المأذون فيه لَمْ ينفذْ ، فكذلك لَمْ يأذنْ الشرعُ للمُكلَّف في الطلاق إلَّا إذا كان مُـباحًا ، فإذا طلَّق طلاقًا مُحَرَّمًا لَمْ يصحَّ0
وأيضًا ، فكُلُّ ما حرَّمه الله مِن العقود مطلوب الإعدام ، فالحُكْمُ ببطلان ما حرَّمه أقرب إلىٰ تحصيل هذا المطلوب مِن تصحيحه ، ومعلومٌ أنَّ الحلالَ المأذونَ فيه ليس الحرام الممنوع منه»0
ثُمَّ أطال مِنْ هذا الجِنس بمُعارَضاتٍ كثيرةٍ لا تنهض مع التنصيص علىٰ صريح الأمر بالرجعة ، فإنها فرعُ وقوعِ الطلاق علىٰ تصريح صاحب القصة بأنها حُسِبَتْ عليه تطليقة ، والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار0
وقد عُورِضَ بقياسٍ أحسن مِن قياسه ، فقال ابن عبد الْـبَـرِّ: ليس الطلاق مِن أعمال الْـبِـرِّ التي يُـتَـقَـرَّبُ بها ، وإنما هو إزالةُ عِصمةٍ فيها حقُّ آدَمِـيٍّ ، فكيفما أوقعه وقع ، سواء أُجِـرَ في ذلك أم أَثِمَ ، ولو لَزِمَ المطيع ولَمْ يلزمْ العاصي لكان العاصي أخَفَّ حالاً مِن المطيع0
ثُمَّ قال ابن القيم: «لَمْ يرِد التصريح بأنَّ ابنَ عمر احتسَبَ بتلك التطليقة إلَّا في رواية سعيد بن جُبير عنه عند البخاري ، وليس فيها تصريح بالرَّفع» ، قال: «فانفراد سعيد بن جُبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله: لَمْ يرَها شيئًا ، فإمَّا أن يتساقطا ، وإمَّا أن ترجح رواية أبي الزبير؛ لتصريحها بالرَّفع ، وتُحمَل رواية سعيد بن جُبير علىٰ أنَّ أباه هو الذي حسَبَها عليه بعد موت النبي ﷺ ، في الوقت الذي أَلْـزَمَ الناسَ فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي ﷺ لا يُحتسَب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظٍ واحد»0
قلتُ -يعني: الحافظ ابن حجَر- : وغَفُلَ $ عمَّا ثبَتَ في صحيح مسلم مِن رواية أنس بن سيرين علىٰ وِفاق ما رَوَى سعيد بن جُبير، وفي سياقه ما يُشْعِرُ بأنه إنَّما راجَعَها في زمن النبي ﷺ ، ولفظه: سألتُ ابنَ عمر عن امرأته التي طلَّق ، فقال: طَـلَّـقـتُها وهي حائض ، فذَكَرَ ذلك عمرُ للنبي ﷺ فقال: «مُـرْهُ فلْـيُراجِعْها ، فإذا طَهُرَتْ فلْـيُطلِّقها لِطُهْرِها» قال: فراجعتُها ثُمَّ طلَّـقْـتُها لِطُهْرِها ، قلتُ: اعتددتَ بتلك التطليقة وهي حائض؟ قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنتُ عجزتُ واستحمقتُ0
وعند مسلمٍ أيضًا مِن طريق ابن أخي شهاب عن عمه سالم في حديث الباب: وكان عبد الله بن عمر طلَّقها تطليقةً فحُسِبَتْ مِن طلاقها فراجَعها كما أمَرَهُ رسولُ الله ﷺ )) اهـ0
أقول: هذا كلامٌ شافٍ كافٍ في المسألة ، ثُمَّ أزيد عليه بعضَ ما يُوَضِّحه ويُـقَـوِّيه:
لقد روَى مسلمٌ في صحيحه حديثَ ابن عمر المذكور برواياتٍ كثيرة تحت باب «تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ، وأنه لو خالَفَ وَقَعَ الطلاقُ ويُؤْمَر بمراجعتها» بداية مِنْ الحديث (1/ 1471) إلىٰ (14/ 1471) ، وكلها جَزَمَ فيها ابنُ عمر صاحبُ القصة أنه قد حُسِبَتْ عليه هذه الطلقة، وهذه رواياتٌ مُـفَـسَّرَةٌ واضحةُ المعنىٰ ، تَـعَـيَّنَ حَمْلُ ما خَفِيَ معناه واحتمل التأويل مِن المُجْمَلِ عليها ، وهي رواية: «ولَمْ يرَها شيئًا» ، فلا يُـتْـرَك المُـفَـسَّـرُ ويُؤْخَذ بالمُجْمَل ، لأنَّ هذه طريقة أهل الأهواء في الاستدلال ، كما بيَّنتُ ذلك في كتابي «منهج الاستدلال عند أهل الأهواء»0
هذا إذا ثبتتْ رواية أبي الزبير أصلاً ، وقد رَدَّها الشافعيُّ وابنُ عبد البر والخطابي والبيهقي وابن حجر والشوكاني ، وكذلك المنذري في تعليقه علىٰ سُنن أبي داود عند الحديث (2185) (4/ 276) وذَكَرَ ما قاله الشافعي والخطابي وابن عبد البر ، واستنكَرَ هذه الرواية0
فكانت الرواية ساقطة سَـنَدًا ومَـتْـنًا ، فكيف يُؤْخَذُ بها وتُـرَدُّ رواياتُ مسلم الصحيحة الصريحة؟! هذا وجه0
ووجه آخر: وهو انفكاك الجهة ، وهي مسألة أصولية ، حيث قد يجتمع في الشيء الواحد وجهان حق وباطل ، وصورته في الصلاة في الأرض المغصوبة ، والصلاة للرجال بالثوب الحرير ، فلَمْ يَرِدْ دليلٌ خاصٌّ ينهىٰ عن الصلاة في الأرض المغصوبة أو بثوب الحرير ، ولكن وَرَدَتْ الأدلة العامة مِن الكتاب والسُّـنة والإجماع علىٰ حُرمة الغصب ، فكانت الجِـهَـةُ مُـنْـفَـكَّـةً ، فمَن صلَّىٰ بثوبٍ مغصوب أو في أرضٍ مغصوبة فصلاته صحيحة لإتيانه بشروطها وأركانها وواجباتها وسُـنـنها ، مع إثمه علَى الغصب ، وقد قال تعالىٰ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ[فاطر: 18] ، وهذا أصَحُّ قَوْلَيِ العلماء ، فكذلك مسألةُ الطلاقِ البِدْعِيِّ ، وهو الذي يُـطَـلِّـقُ زوجته في حيضٍ أو في طُهْرٍ جامَعَها فيه0
قال البخاري في صحيحه في بداية كتاب الطلاق ، باب (68) : (( وطلاق السُّـنة: أن يطلقها طاهرًا مِن غير جِماع ، ويُشهِد شاهدَيْن )) اهـ0
واستثنَى ابن حجر في الفتح (9/ 384) ، وأهل العِلْم ، مِنْ حُرمة الطلاق في الحيض ، ما لو طلَّق القاضي في حُكْمٍ قضائي ، أو طلَّق الحَكَمَيْنِ لِشِقاقٍ بينهما ، أو الخُلْع ، فلا يحرم الطلاق وقتها في الحيض للضرورة والمصلحة0
وقال تعالىٰ: ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ[الزلزلة: 7-8]0
وأمَّا الوجه الثالث: فالقاعدة التي اتفق عليها الأصوليون والفقهاء «الإعمال أَوْلَىٰ مِن الإهمال» ، وفي لفظ: «إعمال الكلام أَوْلَىٰ مِنْ إهماله» ، فإذا طلَّق الرجلُ زوجته طلاقًا بِدْعِـيًّا نُـعْمِلُ كلامَهُ وينفذ ، وعليه إثم مخالفته السُّـنة في طلاقه ، فإنْ أسقطْنا طلاقَه فما أعملْنا قولَه ، وإعمال كلام الرجل أَوْلَىٰ مِنْ إهماله ، وهو لفظٌ ثالثٌ للقاعدة0
ويكفيك أنَّ جماهير أهل العِلْم سَلَفًا وخَلَفًا علىٰ وقوع ولزوم الطلاق البِدْعِيِّ ، وقد عَدُّوا الخِلافَ في ذلك شُذُوذًا عن الحق ؛ وهو قول الخوارج والروافض والمعتزلة0
فلمَّا قال بهذا القول بعضُ كُـبَـرَاء أهل السُّـنة -وإن كانوا قليلين- فـقد توَجَّبَ جَعْلُ الخِلاف سائغًا ، فلمَّا عُرِضَت المسألةُ ونُوقِشَتْ علىٰ وفق الدليل والقاعدة «العِلْمُ ما جاءَ به الدَّليلُ» تَـبَـيَّنَ للمُـنصِف أنه لا يستقيم في المسألة إلَّا القول بلزوم الطلاق البِدْعِـيِّ ووقوعه0
هذا وبالله وحده التوفيق والسداد والرشاد ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين0


وكَـتَبَ:
د/ أبو عبد الرحمن
عِــيد بن أبي الســعـود الـكــيال
وكان الانتهاء من كتابة هذه المقالة
قُـبَـيْلَ مغرب ليلة الثلاثاء
14 / شــــــوال / 1437هـ
الموافق 19 / 7 / 2016م

تحـمـيل بـصـيغة PDF
من أرشيف الموقع
تابع الصفحات الرسمية للموقع
إجمالي عدد زوار المـوقع :
إجمالي الزيارات المتكررة :
SiteLock