ر5531 زيارة 

۞ القِـسـم : مقالات فقهية أصولية
۞ تاريخ الرفع : 26-10-2018 م .


بسم الله الرحمن الرحيم
تعارض الحقوق المالية عند التزاحم بين حق الله وحق العباد وبيان أيهما يقدم ؟؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ﷺ، أما بعد:

فإن الشريعة الإسلامية جملة من المسائل عُقدت في سلك واحد تتكون من خلالها عُرَى الإسلام، تحقيق كل مسألة منها ينسج خيوط المعرفة العلمية، فيؤدي هذا النسيج إلى اكتمال المنظومة الشرعية التعليمية المحيطة بأصول هذا الدين في علومه المختلفة، وعلى قدر الإحاطة بهذه المسائل دراسة وتحقيقًا، على قدر منزلة الباحث العلمية ومدى إلمامه بعرى الديانة.

فمن جملة هذه المسائل التي شغلتني فأردت أنْ أسْبُرَ غَوْرها وأُجَلّي أمرها، وأكشف أبعادها وأبيّن حقيقتها، مسألة تعارض الحقوق المالية عند التزاحم بين حق الله وحق العباد، وأيُّهما يُقدَّم؟؛ وذلك لما يعتريها من لبس وحرج وغموض، فكان من الأهمية بمكان توجيه القول فيها وتناولها بالبحث والتفصيل وبيان الراجح بالدليل.

وكما هو معلوم: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره: فمن صور هذه المسألة: مِلْكُ مال وصل إلى النصاب وحال عليه الحول، قد توجب فيه الزكاة، أوْ حيازة مال تُمكّن صحابها من أداء فريضة الحج مستطيعًا لها فوق النفقة والحاجة الأساسية والضرورية، قد تعين عليه الحج، ثم هذا المالك لهذا المال في صوريته المذكورتين، عائل لأسرة هي جملة من البنات البالغات تتوقّع خِطبتهن في أيّ ساعة، ومن ثم لابد لهن من شراء ما يلزم زواجهن من الفُرُش وأثاث البيت وأجهزته الكهربائية، مما يأتي على المال المدّخر كله لا يُبقي منه شيئًا، أو عنده من الشباب من يدرس في الكليات الجامعية وهم في أمسِّ الحاجة للإنفاق عليهم من هذا المال لكي تكتمل تربيتهم وإصلاحهم، فهل يتوجب على هذا المالك إخراج الزكاة كل سنة على ماله المدّخر، أو يُفرض عليه الحج فينفد كل المال؛ لأنه يصدق عليه أنه مستطيع للحج، فيقدم حق الله في ماله، أم يراعي احتياج عياله فيصبح في حكم من ليس عنده مال؛ لمآل ماله إلى النفاذ لكفاية حاجة أولادة غدًا، وإن كان حقيقة غنيًا قد توجب عليه الحج والزكاة؟

فللإجابة على هذا السؤال أقمت هذا البحث الذي حرّرته على أربعة محاور:

(*) المحور الأول: بيان أهمية ووجوب الإنفاق على الأهل والأولاد:

 روى مسلم في «صحيحه» (40/996): أن رسول الله ﷺ قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمّن يملك قوته»، وفي رواية أبي داود في «سننه»: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت».

قال في «عون المعبود» (3/390):

«أي: يضيع من تلزمه نفقته من أهله وعياله». اهـ.

فقوله ﷺ: «كفى بالمرء إثمًا» يعني: يكفيه من الإثم هذا الجرم العظيم الشديد.

وهو نص ظاهر في وجوب النفقة وحرمة الإخلال بها، بيّنٌ لأهمية هذا الإنفاق.

وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (12/677):

«وأحاديث الباب فيها دليل على وجوب النفقة والكسوة وهو مجمع على ذلك». اهـ.

وقال الحافظ أبو الحسن بن القطان في «الإقناع في مسائل الإجماع» (2/55-56):

«أبواب الإجماع في النفقات: 2452- وأجمع أهل العلم على وجوب النفقات للزوجات على الأزواج إلا الناشز الممتنعة…..

2456- وأجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأن نفقة الأولاد الأطفال الذين لا مال لهم على أبيهم.

2459- والنفقة على الأبوين فرض على الإنسان…

2465- واتفقوا أنه يلزم الرجل في النفقات ما يرفع الجوع من قوت البلد الذي هو فيه، ومن الكسوة ما يطرد البرد وتجوز فيه الصلاة.

2466- واتفقوا على أن من لزمته نفقة فقد لزمته كسوة المُنْفَق عليه وإسكانه.

2473- وأجمع العلماء أن للمرأة كسوتها ونفقتها بالمعروف». اهـ.

وروى مسلم في صحيحه (1218) من حديث جابر في الحج، وفيه قال :

«ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».

بل روى البخاري في «صحيحه» (2211) ومسلم (1714) من حديث عائشة ڤ: قالت هند أم معاوية لرسول الله ﷺ: إن أبا سفيان رجل شحيح فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله سِرًّا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف».

وفي رواية للبخاري (5364): «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».

فجوّز لها ﷺ أنْ تأخذه منه سرًّا دون أن يعرف لأنه حقها وحق بَنِيْهَا وهو واجب على الزوج فإن امتنع مع قدرته أُخذ منه سرًّا ولَا حرج، وما أبيح للضرورة يقدّر بقدْرِها.

قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (12/652/ح 2976):

«والحديث فيه دليل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وهو مجمع عليه، وعلى وجوب نفقة الولد على الأب، وأنه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعًا على شخص أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع من الامتثال وأصرّ على التمرد.

وظاهره أنه لا فرق بين وجوب نفقة الأولاد على أبيهم بين الصغير والكبير؛ لعدم الاستفصال، وهو ينزل منزلة العموم. وأيضًا: قد كان في أولادها في ذلك الوقت من هو مكلف كمعاوية، فإنه أسلم عام الفتح وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة، وعلى هذا يكون مكلفًا من قبل هجرة النبي ﷺ إلى المدينة، وسؤال هند كان في عام الفتح». اهـ

فقوله ﷺ: «خذي ما يكفيك وولدك» عام في كفاية النفقة في كل ما يحتاجه الأهل والولد بالمعروف، فيدخل تحته المطعم والمسكن والملبس والتعليم والتمريض والتزويج وكل ما يستجد في دنيا الناس مما تعارف عليه الناس، والعرف الذي لا يخالف النصوص مصدر من مصادر التشريع؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بالإجماع الذي نقله الأصوليين، فكانت الكفاية تامة لكل حاجة، وكذلك عموم قوله ﷺ: «وبنوك» يشمل الصغير والكبير.

وقوله «بالمعروف» يعني: ما تعارف عليه الناس؛ قال الحافظ في «فتح الباري» (9/566): «وفي الحديث اعتماد العرف في الأمور التي لا تحديد فيها من قِبَلِ الشرع، وقال القرطبي: فيه اعتبار العرف في الشرعيّات». اهـ.

وروى البخاري في «صحيحه» (5355) باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «أفضل الصدقة ما ترك غِنًى، واليد العليا خير من اليد السفلى وابْدأ بمن تعول» تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تُطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعُني» فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: لا هذا من كيس أبا هريرة، يعني من قوله: «تقول المرأة…» فأتبعه البخاري (5356) بحديث عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول».

قال الحافظ في «الفتح» (9/555-557):

«الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة -يعني: الباب- الزوجة، وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص، أو المراد بالأهل الزوجة والأقارب، والمراد بالعيال الزوجة والخدم، فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدًا لحقّها.

ووجوب نفقة الزوجة تقدم دليله أول كتاب النفقات، ومن السنة حديث جابر عند مسلم: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، ومن جهة المعنى: أنها محبوسة عن التكسّب لحق الزوج، وانعقد الإجماع على الوجوب… والراجح من حيث الدليل أن الواجب الكفاية، ولاسيما وقد نقل بعض الأئمة الإجماع الفعلي في زمن الصحابة والتابعين على ذلك، ولا يحفظ عن أحد منهم خلافه.

 قوله: «وابدأ بمن تعول»؛ أي: بمن يجب عليك نفقته، عال الرجل أهله إذا مانهم، أي: قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة، وهو أمرٌ بتقديم ما يجب على ما لا يجب ،وقوله: «من كيسي» إشارة إلى أن من استنباطه مما فهمه من الحديث إلى الحديث المرفوع مع الواقع، واستدل بقوله: «إما أن تطعمني وإما أن تطلقني»، وفي رواية النسائي: «إما أن تنفق علي» من قال: يُفرَّق بين الرجل وامرأته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه، وهو قول جمهور العلماء، وقال الكوفيّون: يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته.

واستدل الجمهور بقوله تعالى: ﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [البقرة: 231]، وأجاب المخالف: بأنه لو كان الفراق واجبًا لما جاز الإبقاء إذا رضيت، ورُدّ عليه بأن الإجماع دلّ على جواز الإبقاء إذا رضيت، فبقي ما عداه على عموم النهي وطعن بعضهم في الاستدلال بالآية المذكورة بأنّ ابن عباس وجماعة من التابعين قالوا: «نزلت فيمن كان يطلق، فإذا كادت العدة تنقضي راجع»، والجواب: أنّ من قاعدتهم: «العبرة بعموم اللفظ»، واستدل الجمهور أيضًا بالقياس على الرقيق والحيوان، فإنّ من أعسر بالإنفاق عليه أُجبر على بيعه اتفاقًا». اهـ.

فإذا كان ذلك كذلك، فقد تقرر بالكتاب والسنة والإجماع وجوب النفقة على الأهل والأولاد وأهمية ذلك، حتى جاز للزوجة طلب الفرقة بسبب الإعسار وعدم النفقة؛ لما يلحقها من الضرر؛ فإنه لا ضرر ولا ضرار بالإجماع، وفي الفرقة بالإعسار تفصيل لا يسعه هذا المقام.

وإنما يُنظر إلى طبيعة الإنفاق الواجب بالمعنى الشامل الذي تستلزم منه الكفاية الإنفاقية بسدّ الخلل والقيام بالمتطلبات والحاجيّات التي تلزم كل أسرة وتلبِّي ما لا تستقيم الحياة إلا به على قدر السعة والمعروف بين الناس.

(*) المحور الثاني: جواز ادّخار قوت سنة أو أكثر للأهل والأولاد:

 روى البخاري في «صحيحه» (5357)، باب: حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، من حديث عمر ﭬ: «أن رسول الله ﷺ كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم».

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (9/558-559):

«قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة.

وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث: «كان لا يدّخر شيئًا لغد»؛ فيُحمل على الادّخار لنفسه، وحديث الباب على الادخار لغيره». اهـ

قلت: فهذا فعل رسول الله ﷺ يدخر لجميع زوجاته قوتهم لسنة، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان هناك منع للادخار لأكثر من سنة لبيّنه وفصّله، فينزل فعله منزلة العموم لسنةٍ أو أكثر، وإنما فعل ﷺ ذلك لبيان الجواز.

فلو أنّ رجلًا تزوج أربع نسوة، ولكل امرأة منهن خمسة عيال أو أكثر، كما يحدث في عامة إفريقيا، حتى أخبرني بعض النيجيريين أن له ثلاثين خالًا، فإنْ أراد هذا الرجل ادخار قوت سنة لأربع وعشرين نفرًا، أولاده وأزواجه جميعًا، سنة أو أكثر لبذل لهم ما يزيد على النصاب من القوت، ولا زكاة فيه؛ لأنه مُدَّخر للحاجة الملحّة، وكذلك لو اتفق أن ابْتُلي رجل بعشر بنات كلهن بالغات يجهّزهن للزواج، فاقتطع ما يكفيهن بالادخار المتصاعد عبر السنين؛ لزاد ذلك على النصاب قطعًا ويقينًا، ولا زكاة على هذا المال لأنه ادّخره لكفاية بناته، والمعول عليه هنا النيّة، قال ﷺ «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» رواه البخاري (1) ومسلم (1907) في «صحيحهما».

ويؤكد ذلك: أنَّ الزكاة كانت لمواساة الفقراء ومما زاد على حاجة الرجل واحتياج أهله، وهو وأهله في حاجة لكل هذا المال الذي لابد منه لتجهيز بناته للزواج؛ فهو كمن ملك النصاب وحال عليه الحول، ثم كان عليه دين أكل كل النصاب، فكذلك هذا الرجل؛ لأن حولان الحول يبيّن عدم حاجة الغني لهذا المال الذي بلغ النصاب، فكونه لم يمسه طوال السنة دليلًا على خروجه عن حاجته، أما حال هذا الرجل فنعم يملك النصاب، ولكنه جعله لبناته، فهو لا يملكه حكمًا وإن ملكه فعلًا، بل بنيّته أنه لبناته فقد خرج عن ملكه إلى ملكهّن.

ونفس الأمر في وجوب الحج على مثل هذا الرجل، فيقال ما قيل آنفًا بتمامه.

(*) المحور الثالث بيان المراد من حديث: «اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء»:

 فقد روى البخاري في «صحيحه» (7315) ومسلم (1335) واللفظ للبخاري من حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «اقضوا الله فإن الله أحق بالوفاء».

وفي رواية لمسلم (1148):

«فدين الله أحق بالقضاء»، «فدين الله أحق أن يُقضى».

فإن قال قائل: لو كان تجهيز بنات الرجل المذكور دينًا عليه، فدين الله أحق بالقضاء والوفاء، فيتوجّب عليه تقديم زكاة ماله، وفرضية الحج على ما ذْكر.

قلت: قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (4/117) عند آية الحج (97) من سورة آل عمران:

« يحقّقه قوله: «فدين الله أحق أن يُقضى»؛ فإنه ليس على ظاهره إجماعًا، فإن دين العبد أوْلى بالقضاء وبه يُبْدأ إجماعًا؛ لفقر الآدمي واستغناء الله تعالى، قاله ابن العربي». اهـ.

وقال أيضًا القرطبي في «جامعه» (4/114):

«إذا وجدت الاستطاعة وتوجّه فرض الحج فقد يعرض ما يمنع منع، كالغريم يمنعه عن الخروج حتى يؤدي الدين، ولا خلاف في ذلك.

أو يكون له عيال عليه نفقتهم فلا يلزمه الحج حتى يكون لهم نفقتهم مدّة غيبته لذهابه ورجوعه، لأن هذا الإنفاق فرض على الفور، والحج فرض على التراخي، فكان تقديم العيال أوْلى، وقد قال النبي ﷺ: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت»، وكذلك الأبوان يخاف الضيعة عليهما وعدم العوض في التلطف بهما، فلا سبيل له إلى الحج». اهـ.

بيّنا هذان النقلان أن حديث «فدين الله أحق بالقضاء» ليس على ظاهره إجماعًا، فيقدم حق الأهل والولد على حق الله في الحج عند التعارض، لقوة الحاجة ونفي الحرج المرفوع عن الأمة؛ قال تعالى: ﴿ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [الحج: 78].

قال أبو بكر بن العربيّ في «أحكام القرآن» (1/288-289):

«المسألة الثامنة – إذا وُجدت الاستطاعة توجّه فَرْض الحج بلا خلاف، إلّا أن تعرض له آفة، والآفات أنواع:

منها: الغريم يمنعه من الخروج حتى يؤدي الدين، ولا خلاف فيه.

ومن كان له أبوان، أو من كان له من النساء زوج، والصحيح في الزوج أنه يمنعها لاسيما إذا قلنا: إنّ الحج لا يلزم على الفور، وإن قلنا على الفور، فحق الزوج مقدّم». اهـ.

فالغريم الدائن حقّه مقدّم على حق الله في الحج بالإجماع، فقدّم حق العباد على حق الله في هذه الصورة.

وكذلك حق الزوج لو كان يصيبه الضرر من بُعْد زوجته عنه ولا يصبر عنها فحقّه مقدم على حق الله حتى لا يقع في الحرام.

ولا خلاف بين أكثر أهل العلم على أن العبد الرقيق لا جمعة له ولا جماعة لحق سيده، وهذا تقديم لحق العباد على حق الله.

وذلك لأن الله غنيّ حميد، والعباد أمرهم على المشاحة وطلب الحق وعدم الصبر، فإن كان هذا حال السيد مع عبده، فأولى أن يكون للأولاد مع آبائهم.

وكذلك قوله ﷺ: «فدين الله أحق بالقضاء» فأحق: أفعل تفضيل، يعني هناك حق في دين العباد وحق لله، والله أحق بالقضاء، فليس من الحديث ما يمنع من تقديم حق العباد على حق الله في الحقوق المالية، مثل قوله ﷺ: «صلاة الرجل في جماعة تَفْضُلُ على صلاته وحده خمسًا وعشرين درجة» رواه البخاري (645) ومسلم (249/650).

وفي رواية: «بسبع وعشرين درجة» ففي صلاته منفردًا فضل وفي صلاته في الجماعة سبع وعشرون فضلًا.

 وقال النووي في «شرح مسلم» (7/210):

وفي المسألة ثلاثة أقوال للشافعي: أصحها تقديم دين الله تعالى للحديث، والثاني تقديم الآدمي لأنه مبني على الشح والمضايقة، والثالث: هما سواءً فيقسم بينهما». اهـ قلت: قد نقل القرطبي وابن العربي آنفًا الإجماع على تقديم دين الآدمي، فلا عبرة بمخالفة الشافعي هنا.

(*) المحور الرابع: بيان معنى حديث: «ابدأ بنفسك»:

فقد روى مسلم في صحيحه (41/997) من حديث جابر ﭬ عن النبي ﷺ قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك». وظاهر أن سياق الحديث في  النفقات.

قال النووي في «شرح مسلم» (7/68):

«في هذا الحديث فوائد، منها: الابتداء في النفقة بالمذكور على الترتيب، ومنها: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قُدّم الأوكد فالأوكد». اهـ.

قلت: هذا الحديث ليس على ظاهره بالوجوب بل هو على الجواز ودليل ذلك؛ ما رواه مسلم في «صحيحه» (2054) عن أبي هريرة قال:

جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: إني مجهود -يعني: من الجوع والحاجة- فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلّا ماء.

ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قُلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: «من يُضيف هذا الليلة رحمه الله؟» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك من شيء؟ قالت: لا، إلّا قوت صبياني، قال: فَعَلِّلِيهُم بشيء، فإذا دخل ضيْفنا فأطفئي السراج، وأريه أنّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي ﷺ قال: «قدْ عَجِبَ الله من صنيعكما بضيفكما الليلة»، فنزلت هذه الآية: ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [الحشر: 9]».

قال النووي في «شرح مسلم» (7/196-197):

«وهذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة: منها: المواساة في حال الشدائد، ومنها: فضيلة إكرام الضيف وإيثاره، ومنها الاحتيال في إكرام الضيف إذا كان يمتنع منه رفقًا بأهل المنزل؛ لقوله: أطفئ السراج، وأريه أنا نأكل، فإنه لو رأى قلة الطعام وأنهما لا يأكلان معه لامتنع عن الأكل… وأما هو وامرأته فآثرا على أنفسهما برضاهما مع حاجتهما وخصاصتهما، فمدحهما الله تعالى، وأنزل فيهما ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه، وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفوس». اهـ.

ذكر القرطبي في «جامعه» (18/20) هذا الحديث عند تفسير الآية المذكورة من سورة الحشر، ثم قال:

«الإيثار: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنياوية ورغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة… الخصاصة: الحاجة التي تختلّ بها الحال، وأصلها من الاختصاص، وهو انفراد بالأمر، فالخصاصة الانفراد بالحاجة، أي: ولو كان بهم فاقة وحاجة». اهـ.

وقال أبو العباس القرطبي في «المُفهم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم» (5/264):

«قوله: «عجب الله من صنيعكما بضيفكما»؛ أي: رضي بذلك وعظّمه عند ملائكته، كما يُباهي بأهل عرفة الملائكة». اهـ.

ففي هذا الحديث مدح الله ورضي عن الصحابي وامرأته لمّا قدّما الضيف على نفسيهما وأولادهما، فلم يبدأ الصحابي بنفسه ومدحه الله ورسوله ﷺ، فتبيّن أن الحديث ليس على ظاهره.

وعليه، فلو قدّم رجل كفاية أولاده وتجهيز بناته بماله الذي لا يكفي إلا بذلك أو بالحج، فهو ممدوح بإذن الله عند الله تعالى، لاسيما وقد ساعد في بناء أُسر وعائلات تبدأ حياتها وتنجب أجيالًا توحّد الله.

فإذا تقرر عندك ما مضى بدليله تبيّن لك أن من ادّخر مالًا لكفاية عياله فهذا المال ليس خارجًا عن حاجته وحاجة عياله فلا يخضع للزكاة، ولا حرج على مالكه في عدم أداء فريضة الحج، إذْ المالك الأصلي لهذا المال أصحاب الحاجة وهم أولاده؛ لأنه بنيّته في ادخار المال لصالح بناته كأنه ملّكهن هذا المال وصار حافظًا له؛ وإنما تكون هذه الصورة عند عدم وجود مال آخر في الحال، ولا في المال في غالب الأمر؛ إذْ القاعدة الفقهية: «لا حكم للنادر إنما الحكم للغالب» فإذا غلب على الرجل أنه لن يتمكن من ملكية مال غير هذا لكفاية أولاده في هذا الشأن، صدقت عليه هذه المسألة التي تناولها هذ البحث، وإلا فلا تتناوله هذه المسألة.

قد يقول قائل: رجل ملك المال فما الذي يمنع من أداء حق الزكاة بعد وجود السبب والشرط، أو رجل مستطيع للحج فما الذي يمنعه من أداء فريضته التي تعيّنت عليه، فليفعل وليحسن الظن بالله ويتوكل عليه في كفايته لأهله وأولاده، وإلّا فهذا يقدح في معتقده وعدم توكلّه على الله؟! ومن ثمّ، فالذي رزقه هذا المال يرزقه غيره ﴿ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ   ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [الطلاق: 2-3]؟!

قلت: ما قاله هذا القائل لا خلاف عليه ونمدح من فعل ذلك ونُثني عليه، غير أن تناول المسألة من زاوية أخرى وباب آخر وهو: لو فعل فاعل هذا الأمر فهل يوصف بالمسيء العاصي، أم يُقال إنه فعل فعلًا جائزًا حلالًا، أو مندوبًا مُسْتحبًّا من باب الإيثار والفضيلة؟ لا سيّما عند حاجة عياله المُلِحَّة؟

أقول: بل هو من باب الجائز أو الإيثار الذي قد يؤجر فاعله؛ فإن الشارع الحكيم قد اهتم بحقوق العباد ووجوب أدائها جدًّا، وكفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يقوت.

 (*) ومما يؤكد ذلك ما رواه مسلم في «صحيحه» (1885) عن أبي قتادة عن رسول الله ﷺ أنه قام فيهم فذكر لهم: «أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال» فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إنْ قُتلتُ في سبيل الله تُكفرّ عني خطاياي؟ فقال رسول الله ﷺ: «نعم إنْ قُتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مُدْبر، إلّا الدين، فإن جبريل ڠ قال لي ذلك».

فما استثنى ﷺ من ذلك زكاة ولا حجًّا، بل استثنى الدين، الذي هو حق للعباد ولعلمه ﷺ بأن الله غني حميد ذو الفضل العظيم.

قال النووي في «شرح مسلم» (13/25):

«وأما قوله ﷺ: «إلّا الدين» ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البرّ لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى». اهـ.

فالله سبحانه غني يُسامح ويغفر ويعفو، وليس الآدميّون كذلك، فكان تقديم حق العباد على حق الله عند التزاحم والتعارض من أصول هذا الدين؛ بدليل هذا الحديث الصحيح الصريح في تقديم حق العباد وأنه لا يغفره حتى الشهادة في سبيل الله.

(*) ومن هنا كان النبي ﷺ يشدّد القول على من مات وعليه دين وامتناعه عن الصلاة عليه حتى يُقضى دينه، أو يتكفّل أحد المسلمين بقضاء هذا الدين.

فكل هذه النصوص تُبيّن خطورة ديون العباد وحقوقهم وضرورة الحرص على أدائها، ولم يُعهد عليه ﷺ السؤال عن الميت: هل عليه صيام؟ وما شابه ذلك.

(*) فقد روى البخاري في «صحيحه» (2289) من حديث سلمة بن الأكوع ﭬ قال: كنا جلوسًا عند النبي ﷺ إذْ أُتي بجنازة فقالوا: صلِّ عليها فقال: «هل عليه دين؟» قالوا: لا، قال: «فهل ترك شيئًا؟» قالوا: لا فصلى عليه؛ ثم أُتِيَ بجنازة أخرى فقالوا: يا رسول الله صلي عليها، قال: «هل عليه دين؟» قيل: نعم، قال: «فهل ترك شيئًا؟» قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها، ثم أتى بالثالثة فقالوا: صلِّ عليها، قال: «هل ترك شيئًا؟» قالوا: لا، قال: «فهل عليه دين؟» قالوا: ثلاثة دنانير، قال: «صلوا على صاحبكم» قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دينه، فصلى عليه.

فهذا تشديد عظيم في شأن الدين الآدمي، مما يؤكد أحقّية تقديمه على حق الله تعالى، مما يبرهن لمسألة البحث.

وفي رواية الحديث عند أبي داود (3343) في «سننه»، والنسائي (1962)، وابن حبان (3064) في «صحيحه» وصححها زيادة: فقال النبي ﷺ: «قد أوْفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت؟» قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: «ما فعل الديناران؟» قال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغدّ فقال: قد قضيتهما، فقال النبي ﷺ: «الآن بردت عليه جلْده».

فلا يجد المنصف المتجرّد للدليل والبرهان بُدًّا من القول بتقديم حقوق العباد على حقوق الله المالية، فهو سبحانه الغني الحميد، ونحن الفقراء إلى الله تعالى: ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾ [فاطر: 15].

(*) كذلك يعضد هذا التقديم: أنه أرفق بالعباد، وأصلح لقضاء حوائجهم، وأوْفق لمقاصد الشريعة التي قامت على جلب المصالح ودفع المفاسد ومراعاة الضروريات والحاجيّات والتحسينات.

فلو ترك الميت مالًا يكفي للحج عنه، وهو نفس حجم الدين الذي عليه لغريمه، فحج عنه وليّه وترك دائنه، فإن هذا لن يسقط الدين من عليه، ولن يسقط المطالبة، ولن يبرد عليه جلده من العذاب في القبر حتى يُقضى دينه، ولو علم الدائن أنه قد حجّ عنه لزاد سخطه ولربما دعاؤه على الميت وعلى أوليائه، أما الغني الحميد فهو العفو الغفور البر الرحيم الودود الرؤوف، فيتعيّن تقديم حقوق الآدميين.

(*) وكذلك في مسألة البحث، لو رأت بنات الرجل أباهم يحج بعشرات الآلاف وهم في أشد الحاجة لشراء مستلزمات الزواج وهم في وقت الخطوبة مثلًا، أو عُقد عليهن ولم يُدخل بهن لضيق ذات اليد، يملأ ذلك قلوبهن حَنَقًا وضيقًا على أبيهن ووُصف حينئذ بالصفات المشينة.

فهذا مقصد شرعي مهم ينبغي النظر إليه، لاسيما على القول بأن الحج على التراخي لا على الفور، وهي مسألة خلافية معروفة عند الفقهاء والأصوليين، ويزيد الأمر لو غلب على الظن عدم وجود هذا الكم من المال مرة أخرى.

(*) قال القرطبي في «جامعه» (4/110):

«قال ابن عبد البر: ومن الدليل على أنَّ الحج على التراخي: إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخّره العام والعامين ونحوهما، وأنه إذا حجّ من بعد أعوام من حين استطاعته فقد أدّى الحج الواجب عليه في وقته، وليس هو عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها بعد خروج وقتها، ولا كمن فاته صيام رمضان لمرض أو سفر فقضاه، ولا كمن أفسد حجه فقضاه، فلما أجمعوا على أنه لا يقال لمن حج بعد أعوام من وقت استطاعته: أنت قاض لما وجب عليك، علمنا أنّ وقت الحج موسّع فيه وأنه على التراخي لا على الفور». اهـ.

كذلك فيمن وصل ماله إلى النصاب وحال عليه الحول -كما في مسألة البحث-فإن كان إخراج حق الزكاة مواساة للفقراء وامتثالًا لأمر الله، فإن مواساة أولاده المحتاجين مقدّمة على مواساة المحتاج الغريب؛ لأن الحاجة إلى المال تحول صاحبه من غني يواسِي إلى فقير يُواسَى، كما لو احتاج إلى إجراء عملية أتت على كل المال، أو شراء بيت للسكنى.

 (*) كذلك مما يُستدل به على مسألة البحث وتقديم حق العباد على حق الله في الأمور المالية: ما رواه الترمذي (1198، 3299) وحسَّنه، وابن ماجه (2062)، وأبو داود (2213)، والحاكم في «المستدرك» (2815) وصححه ووافقه الذهبي من حديث سلمة بن صخر لما ظاهر من زوجته وفيه قال رسول الله ﷺ: «اعتق رقبة» قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال: «فصم شهرين مُتتابعين» قال: قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلّا من الصوم؟ قال: «فتصدق» قال: قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحْشًا؟ مالنا عشاء، قال: «اذهب إلى صاحب صدقة بني زُرَيْق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسْقًا من تمر ستين مسكينًا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك».

وفي رواية لأبي داود (2216) بلفظ: «فأُتِي رسول الله ﷺ بتمر فأعطاه إيّاه وهو قريب من خمسة عشر صاعًا، قال: «تصدق بهذا» قال: يا رسول الله على أفقر مني ومن أهلي! فقال رسول الله ﷺ: «كُلْه أنت وأهلك»، وهي رواية مرسلة كما قال أبو داود بعد الحديث.

ووجه الدلالة من الحديث: وجود ما يتصدق به وهو التمر وهي كفارة واجبة عليه، مع حاجته لهذا التمر لفقره، فأمره النبي ﷺ أن يأكله هو وأهله، والتصدق بالتمر حق لله واجب عليه بسبب ظهاره، فلما تعارض هذا الحق الذي لله مع حق أهله في القوت قدّم رسول الله ﷺ حق الآدمي على حق الله.

ونفس الأمر على من وجبت عليه كفارة أو كفارات وليس معه من النفقة إلّا ما يكفي قوته وقوت أهله وعياله؛ فهنا يقدم حق الأهل والأولاد على حق الله تعالى المالي.

لا جَرَم أن الله تعالى شَرَع شريعة تجلب المصالح وتدفع المفاسد، فإذا وجدت المصلحة ولم تخالف النصوص والأدلة الشرعية، كان من الدين والشرع اعتبارها وإمضاؤها، مراعاة لضعف الآدميين وفقرهم وحاجتهم ورفع الحرج عنهم، والله هو الغني الحميد.

هذا ما فتح الله به عليّ سبحانه العليم الحكيم في هذه المسألة؛ أردت من تحقيقها وإجلائها الوقوف على أبعادها والإلمام بها؛ لأهميّتها وسؤال الناس عنها، وقد سُئلت عنها؛ فلذلك حقَّقتها، وفوق كل ذي علم عليم، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

 

                                                              وكـتـبَ :

د/ أَبو عبد الرحمن
عِــيد بن أبي السـعـود الكــيال

عزبة الهجانة، القاهرة، مصر «حفظها الله»

للمزيد :  تابع الموقع الرسمي للشـيخ

www.alkaial.com

تحـمـيل بـصـيغة PDF
مواضيع مشابهة
من أرشيف الموقع
تابع الصفحات الرسمية للموقع
إجمالي عدد زوار المـوقع :
إجمالي الزيارات المتكررة :
SiteLock