ر10230 زيارة 

۞ القِـسـم : مقالات منهجية
۞ تاريخ الرفع : 10-05-2017 م .


بسم الله الرحمن الرحيم
هل ابن حزم الظاهري سُـنِّي سَلَفي؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام علىٰ مَن لا نبيَّ بعده ﷺ ، أمَّا بعد :
فكما هو حال غالب طلبة العلم: التسرُّع، والتكلُّم في مسائل الشريعة قبل التعلُّم، وقبل حُسن تحقيق المسألة، وقيام أمرهم علىٰ خطف مَـقُولةٍ مِن هنا أو هناك مِن غير تَـثَـبُّتٍ ولا فَهْم، ثم يعتقدون بما وصلوا إليه بتسرُّعهم وعَجَلَتِهم، ثم يدافعون عنه ويُسفِّهون مَن خالَفَهُم فيه، وهذا غاية الجهل المُركَّب !
قال الجُرجانِي في «التعريفات» (ص71) :
(( الجهل: هو اعتقاد الشيء علىٰ خِلاف ما هو عليه، أمَّا الجهل البسيط: فهو عدم العلم عمَّا مِن شأنه أن يكون عالمًا، والجهل المُركَّب: هو عبارة عن اعتقادٍ جازم غير مطابق للواقع )) اهـ0
ومِن جملة هذه المسائل التي نَـزَعَ بها بعضهم: التكلُّم في الإمام ابن حزم الظاهري أنه ليس مِن أهل السُّنة؛ بل مُـنحرفٌ جَهْمِيٌّ لا يجوز وَصْفُهُ بالسُّـنِّـيَّة !! ولا يُـقال إنه أخطأ وزَلَّ وتَأَوَّلَ؛ بل منحرفٌ ضال، ومَن وَصَفَهُ أنه مِن أهل السُّـنة فليس بمُصيب، ولَـرُبَّما وَصَفُوهُ بأشد مِن ذلك !
وقد جمعتُ بعضَ نُـقُولاتٍ لأهل السُّـنة سَـلَـفًا وخَـلَـفًا لبيان حال ابن حزم $0
* فأقول مُـبَـيِّـنًا ما وَقَعَ فـيه أبو محمد ابنُ حَـزْم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» (2/ 583) :
(( وزعم ابن حزم: أنَّ أسماء الله -تعالَى- الحسنىٰ لا تدل علىٰ المَعانِي، وهذا يُشبه قول من يقول بأنها تقال بالاشتراك اللفظي، وأصل غلط هؤلاء شيئان: إمَّا نَفْيُ الصفات والغلو في نفي التشبيه، وإمَّا ظَنُّ ثبوت الكُلِّيات المشتركة في الخارج، فالأول مَأْخَذُ الجَهْمية ومَن وافقهم علىٰ نَفْيِ الصفات، قالوا: إذا قلنا «عليم» يدل علىٰ عِلْم، و«قديرٌ» يدل علىٰ قدرة ؛ لَـزِمَ مِن إثباتِ الأسماء إثباتُ الصفات0
وهذا مأخذ ابن حزم، فإنه مِن نُـفاةِ الصفات، مع تعظيمه للحديثِ والسُّـنةِ والإمامِ أحمد، ودَعْوَاهُ أنَّ الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره، وغَلَطُهُ في ذلك: بِسَبَبِ أنه أخذ أشياء مِن أقوال الفلاسفة والمُعـتـزلة عن بعض شيوخه، ولَمْ يتفق له من يُـبَـيِّنُ له خطأهم ((اهـ0
قلتُ: فانظر إلى قول شيخ الإسلام: «مع تعظيمه للحديث والسُّنة والإمام أحمد، ودَعْوَاهُ أنَّ الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره»، والمعنىٰ : أنه يَدَّعِي أنَّ ما يعتقده هو مذهب أهل السُّـنة والجماعة، فأحمد إمام أهل السُّـنة والجماعة، ومِن ثَمَّ فهو مجتهدٌ فيما تَأَوَّلَهُ ورَآه واعْتَقَدَهُ، ثُمَّ بَـيَّنَ أنَّ سَبَبَ غَلَطهِ تَـأَثُّـرُهُ بالفلاسفة والمعتزلة، ثم أكَّدَ ذلك شيخُ الإسلام بقوله: «ولَمْ يتفق له مَنْ يُـبَـيِّنُ له خطأهم» يعني: لَمْ يُوَفَّـقْ لِمَن يُعَـرِّفُهُ ما أخطأُوا فيه، وما أخطأ هو فيه علىٰ أصل خطئهم، فما بُـنِيَ علىٰ باطلٍ فهو باطل0
وهذا مِن شيخ الإسلام تصريحٌ بخطإ ابن حزم وزَلَـلِـهِ، ولَمْ يصفه بالانحراف والتَّجَهُّم وإنْ قال بقول الجَهْمِيَّة، وفَـرْقٌ كبيرٌ بين مَن قال بالبدعة ووَقَعَ فيها عن خطإ، وبَـيْنَ مَن يتديَّنُ بها ويَـرُدُّ الحَقَّ0
ويؤكد ما فهمته مِن كلام ابن تيمية: ما قاله ابنُ تيميةَ نَـفْـسُه في «درء تعارض العقل والنقل» (7/ 263)، قال:
(( وهذا قول ابن حزم وأمثاله مِمَّن وافق الجهمية علىٰ نفي الصفات وإن كانوا مُـنْـتَسِبين إلَى الحديث والسُّـنة )) اهـ0
فهذا تصريح مِن شيخ الإسلام في نسبة ابن حزم إلى السُّنة وأنه من أهل السُّنة، وإن قال بقول الجهمية، فـيُحْمَلُ قول ابن تيمية وغيره ممَّن قالوا: «إنَّ ابن حزم جَهْمِيٌّ جَلْدٌ» علىٰ هذا التفصيل الذي لا بُدَّ منه للجمع بين الأقوال0
وقال شـيخ الإسلام أيضًا في «مجموع الفتاوي» ( 4/ 396) :
(( وأبو محمد مع كثرة علمه وتبحُّره، وما يأتِي به مِن الفوائد العظيمة؛ له من الأقوال المنكرة الشاذَّة ما يُعْجَبُ منه، كما يُعْجَبُ ممَّا يأتِي به مِن الأقوال الحسنة الفائقة )) اهـ0
وقال أيضًا في «مجموع الفتاوي» (4/ 18-20) :
(( وكذلك أبو محمد ابن حزم -فيما صَـنَّـفه مِن المِلَل والنِّحَل- إنَّما يُستحمد بموافقة أهل السُّـنة والحديث، مثل ما ذكره في مسائل القَدَر والإرجاء ونحو ذلك، بخِلاف ما انفرد به مِن قوله في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره في باب الصفات، فإنه يُستحمد فيه بموافقة أهل السُّـنة والحديث، ولكونه يثبت الأحاديث الصحيحة، ويُعظِّم السَّلَف وأئمة الحديث، ويقول إنه موافقٌ للإمام أحمد في مسألة القرآن وغيرها، ولا ريب أنه موافقٌ له ولهم في بعض ذلك [ثُم ذَكَرَ بعضَ مُخالَفات ابن حزم، ثُم قال:] وإنْ كان له من الإيمان والدِّين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلَّا مُكابِر، ويوجد في كُـتُبهِ مِن كثرة الاطِّلاع علَى الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة؛ ما لا يجتمع مثله لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديث؛ يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح، وله مِن التمييز بين الصحيح والضعيف بأقوال السَّلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء )) اهـ0
قلتُ: لذلك ؛ لمَّا ترجم له الذهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» ( 13/ 522-539) قال:
(( ابن حزم: الإمامُ الأَوْحَدُ، البحر، ذو الفنون والمعارف، الفقيه، الحافظ )) اهـ0
ويؤكِّد ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية مِن نِسْبَة ابن حزم إلى أهل السُّنة؛ ما قاله أبو محمد ابن حزم في «الفصل في المِلَل والأهواء والنِّحَل» (2/ 271)، قال:
(( وأهل السُّنة الذين نَذْكُرهم: هُم أهلُ الحق، ومَنْ عَدَاهم فأهل البدعة، فإنَّهم الصحابة ﭫ وكُلُّ مَن سَلَكَ نهجهم من خيار التابعين، ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء، جيلًا بعد جيل، إلىٰ يومنا هذا، ومَن اقتدىٰ بهم مِن العوام في شرق الأرض وغربها، رحمةُ الله عليهم )) اهـ0
وقال ابن حزم -أيضًا- في «الفِصَل في المِلَل والأهواء والنَّحل» (4/ 227):
(( واعلموا -رحمكم الله- أنَّ جميع فِـرَق الضلالة لَمْ يُجْرِ اللهُ علىٰ أيديهم خيرًا، ولا فَـتَحَ بهم مِن بلاد الكفر قريةً، ولا رَفَعَ للإسلام رايةً، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويُفرِّقون كلمةَ المؤمنين، ويسلُّون السيف علىٰ أهل الدِّين … فالله الله أيها المسلمون، تحفَّظوا بدِينكم، الْـزَمُـوا القُرآن وسُـنَنَ رسول الله ﷺ ، وما مضىٰ عليه الصحابة ﭫ، والتابعون، وأصحاب الحديث، عصرًا عصرًا، الذين طلبوا الأثر، ووَدَّعوا كُلَّ مُحْدَثَةٍ، فكُلُّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) اهـ0
وتَـبَـرَّأَ مِن جُملة أهل البدع في كتابه «مراتب الإجماع» (ص28-31)، فـقال:
(( وإنَّما نعني بقولنا العلماء: مَن حُفِظَ عنه الفُـتْـيَا، مِن الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وعلماء الأمصار، وأئمة أهل الحديث، ومَن تبعهم -رضي الله عنهم أجمعين- ولسنا نعني أبا الهذيل، ولا ابن الأصم، ولا بِشْرَ بن المُعتمر، ولا إبراهيم بن سيَّار، ولا جعفر بن حرب، ولا جعفر بن مبشر، ولا ثمامة، ولا أبا غفار، ولا الرَّقاشي، ولا الأزارقة، والصُفرية، ولا جُهَّال الإباضية، ولا أهل الرَّفْض، فإنَّ هؤلاء لَمْ يَتَعَنَّوْا مِن تثقيف الآثار، ومعرفة صحيحها مِن سقيمها، ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفُـتْـيَا مِن باطلها بطرفٍ محمود ؛ بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات، ولِكُلِّ قومٍ عَمَلُهم )) اهـ0
فعَامَّةُ مَن ذَكَرَ أسماءَهم معتزلةٌ ضُلَّال، وفِـرَق الخوارج والرافضة، وهذا تَـبَـرُّؤٌ مِن أهل الأهواء علَى التعيين0
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية برئاسة ابن باز، وعضوية كُلٍّ مِن: عبد الرزَّاق عفيفي، وعبد الله بن غديان، وعبد الله بن قعود، (12/ 222-223)، فتوى رقم (6988) :
(( أبو محمد عَلِيُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم مِن العلماء المُـبَـرَّزِين فِي الأصول والفروع، وفِي علم الكتاب والسُّـنة ؛ إلَّا أنه خالَفَ جمهورَ أهل العلم فِي مسائل كـثيرة أخـطأ فـيها الصواب؛ لِجُمُودهِ علَى الظـاهـر، وعدم قوله بالقياس الجَلِيِّ المُـسْـتَوْفِي للشروط المُـعـتـبَرة، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء والصفات أشد وأعظم )) اهـ0
قلتُ: فوَصَفُوا فِعْلَهُ بالخطإ0
وفي مقطعٍ صَوْتِيٍّ للشـيخ الألبانِيِّ $ مُدَّتُهُ (4 دقائق) لَمَّا سُـئِلَ عن ابن حزم قال:
(( الإمام ابن حزم اسمٌ علىٰ مُسَمًّى، فهو إمامٌ ثَـبْتٌ، ولكن فيه شيئان ينبغي الابتعاد عنهما: الأمر الأول: قسوته في قَلَمهِ وفي رَدِّهِ علىٰ خصومه، الشيء الآخَر: شدة جُمُودهِ علىٰ ظاهريَّـته، وذكرتُ شيئًا ثالثًا: إنه جَهْمِيٌّ جَلْدٌ، يُـنكِـرُ الصفات، ويقول: إنَّ الأسماء الإلـٰهـية أسماءٌ ليس ضمنها معاني، فإذا قرأ الكاتب كُـتُـبَهُ وكان حَذِرًا مِن هذه الأمور فهو سيستفيد منه عِلْمًا جَمًّا ، لأنه إمام مجتهد، لا يُـقَلِّدُ في دِين الله أحدًا )) اهـ0
قلتُ: فوَصَفَهُ بالإمامة، وحَذَّرَ ممَّا عنده مِن قول الجهمية لِـيُـبَـيِّنَ أنه أخطأ وزَلَّ؛ وإلَّا فلو كان منحرفًا ضالًّا لَمَا وَصَفَهُ بالإمامة حتىٰ قال عليه: «اسمٌ علىٰ مُسَمًّى»0
كذلك في مقطعٍ صَوْتِيٍّ منتشر علَى الإنترنت للشيخ محمد أمان الجامي $ حيث ذَكَـرَ الحديثَ الذي رواه مسلمٌ في صحيحه (813) مِن حديث عائشة ڤ أنَّ رسولَ الله ﷺ بَعَثَ رَجُلًا علىٰ سَرِيَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ فلمَّا رجعوا ذُكِـرَ ذلك لرسول الله ﷺ فقال: (( سَلُوهُ لِأَيِّ شيءٍ يصنع ذلك؟ ))، فسألوه فقال: لأنها صفةُ الرحمن، فأنا أُحِبُّ أن أقرأ بها ، فقال رسول الله ﷺ : (( أَخْبِرُوهُ أنَّ الله يُحبُّه ))، وهو عند البخاري في صحيحه (7375)، فذَكَـرَ الشـيخُ الحديثَ، وتكلَّم عن سورة الإخلاص، فقال:
(( بِهذه السُّورة رُدَّ علَى الإمام ابن حزم الذى يرىٰ أنه لَمْ يَـرِدْ ذِكْـرُ الصِّفة فِي الكـتاب والسُّـنة، المَطالِبُ الإلـٰهـية يُطلق عليَها: أسماء الله الحسنىٰ، لكن لا يُطلق عليها صفة، فهو $ لَمْ يَطَّلِعْ علَى الحديث، يُعتذر له، ولا ينبغي أن يُضَلَّلَ بمثل هذا لإنكاره مثل هذا الإنكار؛ لكن إذا عَلِمْنَا أنَّ الرَّجُلَ يُحاول اتِّباع الكتاب والسُّنة ويُخْطِئُ أحيانًا في الاستدلال والاستنتاج، ورُبَّما يُـنكِـرُ ما في السُّنة إذا لَمْ يَطَّلِعْ عليها، وعَرَفْنا طريقَ أثَرِهِ وطبيعته؛ ينبغي أن نعذُرَهُ لكثرة ما فيه مِن الخير ومِن الحرص علَى اتِّباع الكتاب والسُّنة، مع ما فيه مِن بعض التأويلات وبعض التَّخَبُّطات، أحيانًا مع أهل السُّنة، وأحيانًا مع الأشاعرة، وأحيانًا مع الجهمية، كل ذلك حرصًا منه لِاتِّباع السُّنة0
وفَـرْقٌ بَـيْنَ مَن يجتهد ليعرف الكتاب والسنة فيخطئ كثيرًا كَابْنِ حزم، وبَـيْنَ الذي يَعْرِفُ ويُعْرِضُ عن الكتاب والسُّـنة إعراضًا، ويرىٰ أنَّ نصوصَ الكتاب والسُّنة غير كافية في هذا الباب؛ بل يجب اتِّباع الأدلة العقلية، فـبَـيْنَ الرَّجُـلَـيْن فَـرْقٌ كبير، الأول: يُحاوِل اتِّباعَ الحق؛ ولكن يُخطئ، مجتهدٌ أخطأ، والثانِي: مُعْرِضٌ، فَـرْقٌ بَـيْنَ مجتهدٍ ويخطئ، ومُعْرِضٍ عن الكتاب والسُّـنة0
لذلك نحن مِن الذين يلتمسون الأعذار لمثل ابن حزم، ولمثل الحافظ ابن حجر والنوويِّ والبيهقي، وكثير من علماء الحديث الذين يقعون أحيانًا في التأويل، وأكثرهم تأويلًا وتصرُّفًا في هذا الباب: هو ابن حزم، وكلهم نرىٰ أنه ينبغي أن تُلْتمَسَ لهم الأعذارُ، ولا يُلْحَقُون بالمُؤَوِّلَة المُعْرِضِين عن الكتاب والسُّـنة لأنهم لَمْ يُعْرِضُوا ؛ ولكن اجتهدوا لِـيَـتَّبعُوا الحَقَّ فأخطأوا0
ولشيخ الإسلام مقامٌ، وأيُّ مقامٍ في هذا الباب، أشاد بهم وبِدَعْوَتِهم وخِدْمَـتِهم للكتاب والسُّـنة، ويرىٰ أنَّ أمثالَ هؤلاء تُلتمس لهم الأعذار، ولا يُلحقون بالمُؤَوِّلَةِ المُحَرِّفَةِ للنصوص )) اهـ0
قلتُ: وقد مَـرَّ الكثير من كلام شيخ الإسلام في هذا السياق ممَّا أشار إليه الشيخُ محمد أمان الجامي $0
ومنه أيضًا ما قاله في «مجموع الفتاوى» (3/ 349)، قال شيخ الإسلام علىٰ أهل الكلام:
(( ومثل هؤلاء إذا لَمْ يجعلوا ما ابتدعوه قولًا يُفارِقون به جماعةَ المسلمين، يُوالُون عليه ويُعادُون، كان من نوع الخطإ، والله -سبحانه وتعالى- يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها، لهم مقالات قالوها باجتهاد، وهي تُخالِفُ ما ثبت في الكتاب والسنة، بخِلاف مَن وَالَىٰ مُـوَافِـقَهُ وعادىٰ مُخالِفَهُ، وفَـرَّقَ بين جماعة المسلمين )) اهـ0
ولمَّا ترجم ابْنُ كثير لِابْنِ حزم في «البداية والنهاية» (12/ 470)، في وَفِـيَّات سنة (456هـ) قال:
(( وممَّن تُـوُفِّيَ فيها مِن الأعيان: ابن حزم الظاهري، هو الإمام الحافظ العلَّامة أبو محمد عَلِىُّ بن أحمد بن سعيد بن حزم … فقرأ القرآن ، واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، وبرز فيها وفَاقَ أهل زمانه ، وصَنَّفَ الكُـتُبَ المشهورة، يقال: إنه صنَّف أربعمائة مجلد، فِي قريب مِن ثمانين ألف ورقة، وكان أَدِيـبًا، طَـبِـيـبًا، شـاعـرًا، فـصـيحًا، … وكان مُصاحِـبًا للشيخ أبى عُمر ابن عبد البر النمري…
والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريًّا حائـرًا في الفروع، لا يقول بشيءٍ مِن القياس، لا الجَلِيِّ ولا غيره، وهذا الذي وَضَعَهُ عند العلماء وأدخل عليه خطَـئًا كثيرًا في نظره وتَصَرُّفهِ، وكان مع هذا مِن أشد الناس تأويلًا في باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات؛ لأنه كان أَوَّلًا قد تَضَلَّعَ مِن علم المنطق، فـفَـسَدَ بذلك حاله في باب الصفات )) اهـ0
قلتُ: ذَكَـرَ ابنُ كثير أنَّ ابن حزم كان مصاحبًا لأبي عُمَرَ ابْنِ عبد البر الإمام السَّلَفِيِّ السُّـنِّيِّ، والمرء علىٰ دين خليله، فقوله: «وكان مصاحبًا» أي: ملازمًا كثير الصحبة لابن عبد البر، وهو إمامٌ في السُّـنة بلا مـنازع0
ووَصَفَ ابنُ كثير ما وقع فيه من التأويل بالخطإ، كما وصفه بذلك العقلاءُ مِن أهل السُّـنة كما مَـرَّ آنِفًا مُفصَّلًا0
ولَمْ يذكر ابنُ كثير عنه في هذا السياق أكثر من ذلك
كذلك، قال الشـيخ مُـقبل بن هادي الوادعي لما سُئل عن عقيدة ابن حزم:
(( ابن حزم -رحمه الله تعالىٰ- في بعض كتبه كالمُحَلَّىٰ، والإحكام في أصول الأحكام، خَدَمَ الدِّين خدمةً جليلةً، وإن كان في أوائل المُحَلَّىٰ بما يتعلَّق بالعقيدة زَلَّت قَدَمُهُ ، فهو خَدَمَ الدِّين خدمةً عجيبةً، ووقف في وجوه المبتدعين المُقلِّدين، وكان أكثر تحامله علَى الحنفية، باعتبار بُعْدِهِم عن السُّنة، وعلَى المالكية؛ لأنه عاش بينهم حتىٰ إنهم سلَّطوا عليه الحُكَّام وأحرقوا كُـتُـبَه )) اهـ0
هذا تحقيق القول في معتقد ابن حزم الإمام $ وجزاه عنا خير الجزاء0

ولقد جاءنِي بمسجدي شابٌّ كبيرُ الجسم، صغيرُ الفَهْم والعِلْم، وأراد أن يأطرنِي أَطْـرًا علَى القول بانحراف ابن حزم وأنه لَمْ يَـزِلَّ؛ بل ضَلَّ، لَمَّا رأىٰ قولي هذا في كتابي «الفلذ شرح النبذ في أصول الفقه»، وجاء يتكلم عن الكتاب، فقلتُ له: هل قرأتَ الكتاب؟

فقال: قرأتُ منه حوالي (160 صفحة)0

فقلتُ: أَتَـنْـقُدُ كِـتابًا قبل الانتهاء مِن قراءته ؟!
فسألتُهُ في مسألة فقهية عن ضابط الغُسْل مِن الجَنابة مع الزوجة فما أحسن الردَّ !!

فقلتُ له: يبدأ طالبُ العِلْم بمعرفة ما لا يَسَعُ المُسْلِمَ جَهْلُهُ، ثم بعد سنين عِدَّة يتكلم في مسائل المعتقد والكفر والإيمان والسُّـنة والبدعة، عندما يستوي عُودُكَ في الطلب، وتعلم الصحيح مِن الضعيف، والراجح مِن المرجوح، وبعد أن تكتمل آلتك في الفَهْم، والاستنباط الصحيح0

وهذا الذى قُـلْـته له، هو: نصيحتي إلىٰ كل أبنائي وإخوانِي مِن طلبة العلم، أن يَلْـتَـزمُوا الصمتَ سنينَ الطلب -إلَّا مِن سؤال تعلُّم- فمَن صَمَتَ نَجَا، أمَّا أن يتكلم الطالبُ بباطلٍ ثم يُدافِعُ عنه، فهذا الضلال المُبين0

والله مِن وراء القَصْدِ ، وهو يهدي السبيل0


وكَـتَـبَ :
د/ أَبو عبد الرحمن
عِــيد بن أبي الســعـود الـكــيال
السبت 2/ شعبان/ 1438 هـ
المـوافـق 29/ 4/ 2017 م
عزبة الهجانة، القاهرة، مصر«حفظها الله»

تحـمـيل بـصـيغة PDF
من أرشيف الموقع
تابع الصفحات الرسمية للموقع
إجمالي عدد زوار المـوقع :
إجمالي الزيارات المتكررة :
SiteLock