الدكتور عيد الكيال:
كيف يتهمونني بالقول بشبهة شرك النبي قبل البعثة وقد دحضتها في أحد كتبي؟
رأيي في المسألة هو قول القشيري والقرطبي: إن الله ما بعث نبيَّا إلا كان مؤمنًا قبل البعثة
قضيت عمري أواجه فكر الأخوان وسيد قطب وإذا بهم يتهمونني بالقطبية دون وجه حق
الذين وجهوا لي التهم قرأوا كتبي بمبدأ “ولا تقربوا الصلاة”
مرَّ عامان على صدور الكتاب، فلم يُفتح هذا الملف الآن؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صلي الله عليه وسلم، وبعد:
تعقيبًا على ما نُشر في بعض المواقع والصحف الإلكترونية تحت عنوان: “داعية يزعم كفر الرسل قبل النبوة وجاهلية غالبية المسلمين” وإعمالًا بمبدأ حق الرد، فإني أرسل إليكم ردي هذا، على أمل أن تنشروه كاملًا.
بداية، فإني أقول إجمالًا: لقد جاء العنوان حاملًا اتهامات لي أنا من أشد الناس محاربة لمن اتصفوا بها، ولطالما هاجمت سيد قطب وأفكاره في كتبي ودروسي، وخاصة أمر جاهلية المسلمين التي زعمها، وحذرت منه، وأصدرت كتبًا كاملة في بيان ضلال التكفيريين وحاربت أفكارهم، أما بالنسبة للزعم بأني أقول بكفر الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل الدعوة، فأشهد الله أني براء من ذلك، وأن من وجه إليَّ تلك التهمة لم يقرأ كتابي الذي قال إني أوردت فيه ذلك قراءة صحيحة، بل تعامل مع الأمر بطريقة “ولا تقربوا الصلاة” فأنا ما أوردت الأقوال التى تشير إلى ذلك إلا بطريقة الاستعراض لا الإقرار بها، والدليل أني نفيت هذا الأمر في أحد كتبي السابقة بالتفصيل، وذلك دفاعًا عن نبينا المعصوم صلي الله عليه وسلم، فكيف توجه لي التهمة بعد ذلك؟
وأيضًا، فإني أتساءل لقد مرَّ على صدور الكتاب عامان كاملان، فلم يُفتح هذا الملف الآن ولم يُفتح فور صدور الكتاب؟
وتفصيلًا: فقد تناولت المقالات كتابي الموسوم بـ”الدليل المختار على أن الاعتبار في الحكم على الرجال بالعاقبة والمآل لا بما جرى في بداية الحال” الذي صدر قبل حوالي عامين، وصفتني المقالات بأوصاف عظيمة أنا من أشد الناس –في دروسي وكتبي ودعوتي كلها- محاربة لمن اتصفوا بها كما سيظهر بإذن الله تعالى في هذا البيان.
فمما لا يسع المؤلف جهله في الصنعة التأليفية، أنه ما كُتب كتاب ولا يُكتب إلا لغاية معينة ومقصود ما، يريد الكاتب توصيله للناس، من خلال قيام الكتاب على أسس ودعائم يرتبط بعضها ببعض، ويقوم بعضها على بعض ويوصِّل بعضها بعضًا، يرتبط جزؤها بكلها، وكلها بجزئها في منظومة شمولية يتوصَّل بها إلى المراد من كتابة الكتاب، ولو انفصل جزء منها عن الكل وقُطع من سياقه أدى ذلك إلى الخلل في الطرح والاضطراب في الفهم لا سيما مع اعتبار الغاية المرجوَّة من الكتاب، التي بمعرفتها والوقوف عليها وقوفًا جيدًا يستقيم للقارئ الثمرة المقصودة.
وكتابي هذا: “الدليل المختار على أن الاعتبار في الحكم على الرجال بالعاقبة والمآل لا بما جرى في بداية الحال” كتبته بعد طلب من طائفة من طلبة العلم أحزنهم وأهمَّهم ما يواجهونه من الكثير الكثير ممن يطلبون العلم، حيث انتشرت بينهم انتشارًا شديدًا مقولة تخالف الكتاب والسُنة والإجماع، وتخالف العقل والعُرف، مفاد هذه المقولة: الطعن المستمر في كل من كان على غير الجادة الحقة والصراط المستقيم ثم من الله عليه بالهداية، فهذا محكوم عليه بالذم والتقبيح ما عاش، حتى قال بعضهم: أنا منذ عرفت عقلي وأنا على المنهج الصحيح، لم أتنجس ثم تطهَّرت!
وهذه المقولة تُعتبر صدًا عن سبيل الله العظيم، فإذا كان التائب الراجع إلى الحق سيُذم في كل الحالات، بعد توبته وقبلها، فلن يتوب أحدٌ، والأصل الذي لا خلاف عليه أن التوبة تجُبُّ ما قبلها وتمحو السيئات كما قال تعالى: “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” بل مع التوبة النصوح يُبَدِّل الله بفضله ومنه السيئة حسنة كما في أواخر سورة الفرقان، من قوله تعالى: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”، فكانت هذه المقولة تعطيلًا لصفة المغفرة والرحمة لله الودود الرؤوف، ومَن مِن الخلق –بعد الأنبياء والمرسلين- معصوم من ذلك؟
وهذا الأمر قد أرَّقني جدًا من قبل، لأنه خلل عظيم دبَّ في جسد الدعوة إلى الله، وأتى من رجال المرجوّ فيهم أنهم دعاة الغد، فذهبت لأنقض هذه المقولة الهدَّامة من قواعدها ليستقيم للناس دينهم في هذه المسألة، فأقمت دعائم الكتاب كله على تحقيق هذه الغاية، فذكرت حال الصحابة رضي الله عنهم أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وأحسن صحابة أتوا لنبيّ مُرْسَل، فعنونت عنوانًا: “بيان خطأ من ظن أن من وُلد على الإسلام فلم يكفر أفضل ممن كان كافرًا” ووجه ذلك أن من عرف الشر وذاقه، ثم عرف الخير وذاقه، لو أتاه الشر لرده وتجنبه، وأن من لم يعرف إلا الخير حتمًا سيقع في الشر لجهله به، ومن هنا قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه ابن أبي شيبة في المصنف وغيره: “إنما تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية”، ونقلت كلام أهل العلم في ذلك وأن من لم يعرف الشر فذاك نقص فيه، لا يُمدح به.
ومن هنا وبالإجماع قالوا: الصحابة الذين وُلدوا على الكفر خير من أولادهم الذين وُلدوا على الإسلام، فننكر على من يقول مثلًا: إن ابن الزبير بن العوام خير من أبيه الزبير، وهكذا…
ثم ذكرت حال عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، وأنهما كانا من أشد الناس على الإسلام، فلما أسلما تقدما على من سبقهما إلى الإسلام، وكان بعض من سبقهما دونهما في الإيمان والعمل الصالح. وبيَّنت أن من يقول بالمقولة التي كتبت الكتاب لأجلها فقد لزم من مقولته الطعن في صحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين، وهذا فيه من الضلال ما فيه.
ثم ذكرت أمثلة لبعض الأئمة الذين كانوا على خلاف الحق ثم هداهم الله وخدموا الإسلام جدًا، فذكرت الإمام نُعيم بن حماد وكان جهميَّا، ثم تاب الله عليه، وكان شديدًا على الجهمية، فقال: “أنا شديد عليهم لأني كنت منهم”، فكونه كان منهم جعله على دراية بتفاصيل مذهبهم، فساعده ذلك في حُسن نقدهم ونقضهم، ثم ذكرت حال الفضيل بن عياض –على من حسَّن الخبر عنه- أنه كان سارقًا قاطع طريق، ثم كان إمامًا في الدين، وغير ذلك من الأمثلة.
وفي سياق الاستدلال على غاية الكتاب ذكرت أقوال أهل العلم في مسألة عصمة الأنبياء قبل النبوة، فقد نقل القرطبي والقشيري والواحدي والكلبي والسّدي وابن جرير الطبري وابن تيمية الخلاف فيها.
وفي نفس السياق عند ذكري ذلك، ذكرت قول القشيري فيما نقله القرطبي أنه قال: “الذي صار إليه المعظم، أن الله ما بعث نبيَّا إلا كان مؤمنًا قبل البعثة” ثم ذكرت ردّ القرطبي واستنكاره الخلاف في المسألة وبيانه أن الصحيح إيمانهم قبل البعثة وبعدها، وهذا ما يوافق قولي في المسألة، وإنما قمت بعرض هذه الأقوال إمعانًا في بيان ما يخدم الغاية من الكتاب.
ثم ذكرت قوله تعالى: “وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ” وقول السدّي والكلبي وابن جرير الطبري شيخ المفسرين أنهم حملوه على ظاهره، وقوله: “مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ” واختلاف الناس فيه، وبيان أن معظم المفسرين على أن الآيتين قد صرفتا عن ظاهرهما، وهذا كلام ما قلته أنا ولا زعمته ولا أدَّعيه ولا أقول به، ولكني ذكرته –كما قلت- إمعانًا في بيان فساد المقولة التي كتبت من أجلها الكتاب، ووجه ذلك أنه قد قيل هذا القول على الأنبياء، فيلزم من قولهم على الأخذ بهذا القول الطعن في الأنبياء، لذلك بعد أن عرضت هذه الأقوال، قلت في صفحة 39: “لكن يُقال في هذا السياق: هذا قول قال به أئمة مفسرون لكتاب الله وعلى الأخذ بهذا القول” كذا…
فليس المقام مقام ترجيح وبيان قول الحق في المسألة، والتي غالب أهل العلم على القول بعصمة الأنبياء من الكفر قبل البعثة، ومن ثم ذكرت المسألة هنا عرضًا، وليس المراد هنا تأصيل هذا القول.
ولكن لأن هذا القول غريب على من لم يعلمه ولم يقف عليه من كلام أهل العلم، ولأن مقام النبوة عظيم الشأن، فقد استنكرها من استنكرها.
ومما يؤكد أني لم أقل بهذا الكلام ما فصَّلته قبل هذا الكتاب بسنتين، وبثلاث سنين ونصف من اليوم، ما كتبته في كتابي “نقض الشُبَه النيجيرية بالرد على الجماعة التكفيرية” وهو كتاب كتبته على إثر رسالة أرسلها لي جماعة من الدعاة وطلبة العلم في نيجيريا بخصوص شُبَه تروجها جماعات التكفير، مثل بوكو حرام وغيرها، وقد هدى الله بهذا الكتاب، بفضله ومنه، مئات الرجال من مذهب التكفير إلى الحق، وكان الكتاب يُدرَّس في الكثير من المساجد هناك، وهو مرفوع على موقعي، فمن جملة الأسئلة التي أجبت عنها في هذا الكتاب سؤالهم (في صفحة 55): “وهل كل ضلال كفر؟” فرددت عليه (في صفحتي 57 – 58) وبيَّنت معنى الضلال لغة وشرعًا، إلى أن قلت (صفحة 58): فوُجد في كتاب الله تعالى الضلال بمعنى الكفر، والضلال بمعنى غير الكفر، وليس أدل على هذا من قوله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: “وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ” قال الراغب الأصفهاني في “المفردات في غريب القرآن” صفحة 298: “ولذلك نُسب الضلال إلى الكفار والأنبياء وإن كان بين الضلالين بون بعيد، ألا ترى أنه قال في النبي صلى الله عليه وسلم: “وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ” أي: غير مهتد لما سبق إليه من النبوة. وقال في يعقوب: “إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ”، وقال أولاده عنه: “إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” إشارة إلى شغفه وشوقه إلى يوسف، وقال عن موسى:
“قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ”، تنبه أن ذلك من سهو…” انتهى النقل من “نقض الشُبّه النيجيرية” فظهر يقينًا قولي في المسألة، وأنا لا أقول بغير هذا القول، ولم أذكر غيره هنا.
أما كلامي في “الدليل المختار” فالسياق هدم مقالة تفسد الدعوة إلى الله، فأردت إحداث زجر شديد من خلال ذكر مقولة عظيمة قالها البعض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان كلامي في “الدليل المختار” مُجملًا، فليُحمل على المبيَّن في “نقض الشُبَه النيجيرية”.
وعليه فأنا لا أدعي ولا أزعم ولا أقول بكفر الأنبياء قبل البعثة.
وقد حدث لبس لمن نقلوا كلامي، وهو في صفحتي (14 – 15) تحت عنوان “ذكر الأدلة على أن الله قد بعث أنبياء قبل البعثة كفارًا” حيث ذكر ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” قوله تعالى: “فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ” وقوله: “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا” الآيات، مستدلًا ابن تيمية على عدم إيمان قوم لوط قبل البعثة بمفهوم المخالفة، أي أنه لم يكن مؤمنًا ثم آمن بإبراهيم، ووجه الاستدلال عند آية شعيب عليهما السلام قوله: “أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا”، حيث ذكر القرطبي في تفسيره عند هذه الآية من سورة الأعراف قول البعض على عدم إيمان شعيب قبل البعثة، حيث قال القرطبي في جامعه عند الآيتين (88 ، 89) من سورة الأعراف: “وقيل: كان أتباع شعيب قبل الإيمان به على الكفر، أى: لتعودن إلينا كما كنتم من قبل” ثم بيَّن القرطبي القول الآخر في المسألة ، فما يقال هنا هو نفس ما قيل آنفًا على الأنبياء من كلام القشيري السابق، ثم انتقل الكلام من مجموع الفتاوى بعد ذلك على أمر آخر من الاستغفار والتوبة بعيدًا عن سياق الكفر، فذكر توبة آدم على أكله من الشجرة، ونوح على طلبه إنقاذ ولده، ثم قال: “ومن بعدهما إلى خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم” وذكر بعدها حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قوله في الركوع والسجود: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي”، فظن من كتبوا أن الكلام متصل وهو ليس كذلك، ولذلك فقد ظنوا أني قصدت سحب القول على لوط وشعيب إلى آدم ونوح ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وليس كذلك، ولا أقول ابتداء بهذا القول على لوط وشعيب، وإن قال به البعض، على ما ذكرته من قبل في هذه المقالة.
ثم إنهم قالوا: “واستعار الداعية لفظ (جاهلية ديار المسلمين) التي قال بها سيد قطب” وأنا أسأل من كتبوا ذلك: من أين أتيتم بهذه الجملة، فوالله وتالله وبالله ما قلتها، والكتاب مرفوع على الموقع لمن أراد أن يقرأه كله، غير أني تكلمت في الفصل الثاني من الكتاب عن معنى الجهل البسيط والجهل المركب، والمراد بيان جهل هؤلاء الطلبة بمسائل الشريعة، وعدم إلمامهم بما لا يسع المسلم جهله، لا كما زعموا، ولا يُفهم من الكلام إلا ذلك، وهذا بعيد كل البعد عن جاهلية سيد قطب التي تعني تكفير المسلمين، وذكرت الجهل البسيط والمركب في اللغة وطوَّلت في شرحهما، فلعل تفصيلي لمعنى اللفظتين لبَّس على الكُتَّاب، وإلا فقولوا لي في أي صفحة في الكتاب ذكرت ذلك؟! فهذا خطأ منهم يقينًا.
وقد عنونوا لهذه المقولة بعنوان “زعم بجاهلية ديار المسلمين وأن كثيرًا من الأشخاص تقوم فيه جاهلية” وزعموا أني أقول بقول سيد قطب، وهو عندي قطب الضلالة وسبب الخراب والدمار في العالم الإسلامي أجمع، بل أنا من أشد الناس محاربة لسيد قطب ومنهجه التكفيري الدموي الجهول، وقد بيَّنت ذلك في جملة من كتبي، منها كتابي “مصر كنانة الله بين محبة الأوطان وجماعة الإخوان” وهو مرفوع على الموقع، فبيِّنت في الكتاب (صفحة 47) أن حسن البنا وسيد قطب سبب الهلاك والإرهاب العالمي، بل بيَّنت أن الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا وسيد قطب وفكرهما هم الجماعة الأم للإرهاب، والتي خرج من رحمها القاعدة وكل ما تفرَّع عنها من الجماعات الإرهابية، وهو أمر بيَّنته في الكثير من كتبي المرفوعة على موقعي، منها: “الجيش المصري بين المخطط الصهيوني وعوائق الإرهاب الخفي في ضوء الكتاب والسنة”، وأيضًا كتاب” دعاة الدم والهدم” وكتاب “ملاك أمر الخوارج الجدد في حرفين” وكتاب “الصبغة التقعيرية لدعائم منهاج النبوة المصطفوية” وقد بيَّنت فيه فساد منهج التكفير، وهدمت -في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب- منهج التكفير وبيَّنت زيف كل أدلتهم التي شبهوا بها الأمور على عوام المسلمين.
وفي كتابي “أثر القواعد الأصولية في تصحيح المعتقد ورد شُبَه المنحرفين” (وأقصد هنا قواعد أصول الفقه) عنونت عنوانًا (صفحات من 43 إلى 46): قيام منهج التكفير عند الخوارج على الجهل بقواعد الأصول، ونقلت الإجماع الذي نقله ابن القيم في “مدارج السالكين” (1/336) عند منزلة التوبة، عند ذكر أنواع الكفر، فقد نقل إجماع الصحابة على أن قوله تعالى: “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” أن معناه الكفر الأصغر لا الكفر الأكبر، بمعنى أنه معصية من المعاصي وليست كفًرا يُخرج من الملة، وبيَّنت ضلال التكفيريين في تمسكهم بهذه الآية، وكذلك كتابي “دعوة على منهاج النبوة” وهو مرفوع على موقعي، وانظر إلى فهارس الكتب المذكورة لتعلم نضالي وجهدي في بيان ضلال المنهج التكفيري الذي هو أصل هلاك الأمة في العصر الحديث، حتى أكثرت من قولي على سيد قطب: “قطب الضلالة”، وعليه، فالذي ذكرته بعد ذلك من كلام الدكتور محمد سالم أبي عاصي، والدكتور جمال فاروق والدكتور أحمد المالكي، لا يخصني ولا يُنَزَّل عليَّ، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وعلة طعنهم فيَّ أني قطبي، وأنا لست قطبيًا ولا تكفيريًا ولا أخوانيًا، وانا أقول بقول الشيخ المالكي إن منهج الأزهر لا يقبل هذا الرأي الشاذ الذي لا يوجد عليه دليل، فإن الأزهر، حفظه الله، له عليَّ فضل كبير، فهو منارة للعلم من قبل ومن بعد، ولا يوجد مكان في مصر يدرِّس بمنهجية علمية في كل علوم الشريعة إلا الأزهر حفظه الله من كل سوء.
أما الخطبة المذكورة والتي قالوا إني قمت فيها بإطلاق العديد من السباب والشتائم عبر المنبر لمخالفيَّ من أبناء منطقة عزبة الهجانة ووصفتهم بسفهاء الناس وحثالتهم وبالخونة، فالأمر ليس كذلك، وله قصة يعرفها أهالي المنطقة الأفاضل، وطلبة العلم الحقيقيون، ولا أخفي أنهم هم الذين طلبوا مني إعداد هذه الخطبة في المسجد.
وبداية، فقد مرَّ على هذه الخطبة عدة سنوات، وقد رفع البعض شكوى لوزارة الأوقاف فيها، وتم التحقيق وانتهى الأمر، وأنا أتساءل: لماذا يتم فتح أمر تلك الخطبة مرة الأخرى في الوقت الحالي بعد أن تم التحقيق فيها؟!
ثانيًا: لم أصف المخالفين لي بهذه الأوصاف، وإنما كان الكلام على مجموعة من الشباب الذين انتسبوا لطلبة العلم، والذين يعرفهم الجميع هناك، وكان لزامًا عليَّ أن أحذر منهم وأشتد عليهم، وقد عينتهم في الخطبة رغم أن المصلين يعرفونهم، ويعرفون أخطاءهم العقدية والشخصية، حيث إن علاقاتهم الشخصية مع الجميع قد ساءت، فأساؤوا لطلبة العلم، وهكذا كان يجب التحذير منهم، لأنهم بأفعالهم غير المسئولة يسيئون للدعوة، وتعميم الأمر فيه الكثير من الظلم والبُعد عن الحقيقة.
وأنهي هذا الأمر بالقول إنه عند التحقيق معي بشأن هذه الخطبة، قام أهالي منطقة عزبة الهجانة بجمع توقيعات يؤكدون تمسكهم بي ويشيدون بدعوتي، ويطالبون باستمراري في الخطابة بالمسجد، ويؤكدون علمهم بأني لم أقصدهم في الخطبة، وأنهم يعرفون الأشخاص الذين هاجمتهم ويرفضون أفكارهم ولا يلومونني على نقدي لهم وبيان أمرهم.
أما أمر عملي السابق بالتمثيل، فوالله لقد تركت العمل في الفيلم المذكور في منتصفه، ولم أستكمله، وترجاني المخرج العودة للعمل، لكني أبيت، وعُرضت عليَّ أعمال فنية في الوقت الذي قررت فيه ترك التمثيل ولم أرجع إليه منذ عام 1993حتى يوم الناس هذا، ثم ما علاقة هذا المقال بأمر التمثيل، وما الفائدة من ذكره؟
هذا ما أردت بيانه من رد الشُبَه التي في المقالات التي تناولت الأمر، والمعلوم أن إيراد الشبهة يأخذ كلمات، والرد عليها يأخذ صفحات، ولذلك لم استطع أن أختصر المقالة أكثر من ذلك، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وصلى الله على نبينا محمد الذي شُقَّ صدره من الصَّغر وأُخرج منه حظ الشيطان، فكان طاهرًا قبل البعثة وبعدها، مؤمنًا من قبل ومن بعد، كُتب نبيًا وآدم بين الروح والجسد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
وكتب
د. عيد بن أبي السعود الكيال