بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده ،والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده صلي الله عليه وسلم
أما بعد: فهذا بحث فقهى أصولي مختصر وجيز في مسألة الأخذ من اللحية، هل يجوز الأخذ منها؟ أو هل من السّنة الأخذ منها؟ أم أن ذلك حرام لا يجوز؟ ومدار هذه المسألة على جملة من القواعد الأصولية يترتب على ذكرها ومعرفتها الإجابة على هذه الأسئلة المتقدمة، وإغفال هذه القواعد يؤثر في صحة استنباط الحكم الشرعي من الدليل، وذلك على ضوء تعريف أصول الفقه الذى هو:” العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية” وبهذه القواعد يتوصل الباحث إلى الاستنباط الصحيح لا بغيرها، والخلل بالإلمام بها خلل في عملية الاستنباط برمتها، ومن ثمّ الخلل في الفتوى.
• القاعدة الأولى: “الأمر المطلق للوجوب ما لم يصرفه صارف إلى الندب”.
وهذه القاعدة لا خلاف فيها عند السلف الصالحين – بعيداً عن كلام الأصوليين المتكلمين الذي لا أثارة من العلم عليه- وقد نقل عليها الإجماع غير واحد منهم الشوكاني في “إرشاد الفحول” (2/444 ، 448).
وقال ابن حزم في “النبذ في أصول الفقه” (ص 79 ، 81، 82): “فصل في الأوامر والنواهي: وأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها فرض، ونواهي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها تحريم، ولا يحل لأحد أن يقول في شيء منها: ندب أو كراهة إلا بنص صحيح مُبّين ذلك أو إجماع، كما قلنا في النسخ، قال تعالى ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” (النور: 63)، وقال تعالى: ” ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” (الحشر: 7) …………. (ثم قال تحت فصل في الأفعال) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”، وكان هو عليه السلام يُكثر السواك، فنص صلى الله عليه وسلم على أنه لو أمرهم بذلك لوجب وشق عليهم، وأنه إذا لم يأمرهم فلم يجب عليهم فعله “أهـ.
قلت: والآتيان والحديث دليل على الإجماع في المسألة.
قال القرطبي في “جامعه” (12/247): قوله تعالى: ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” بهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر للوجوب، ووجهها: أن الله تبارك وتعالى قد حذر من مخالفة أمره وتوعد بالعقاب عليها، فتحرم مخالفته، فيجب امتثال أمره” أهـ.
قلت: وكذلك قوله تعالى: ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا” (الأحزاب: 36) قال القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (14/137). “توعد تعالى وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل، فهذا أول دليل على أن صيغة افعل” للوجوب في أصل وضعها، لأن الله تبارك وتعالى نفى خيره المكلف عند سماع أمره وأمر رسوله، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية، ثم علق على المعصية بذلك الضلال، فلزم حمل الأمر على الوجوب” أهـ.
• القاعدة الثانية: “لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة”
قال الإمام أبو المظفر السمعاني في “قواطع الأدلة في الأصول” (1/295):
وأما الكلام وفى وقت البيان: اعلم أن لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة” اهـ. قلت : ونقله الشوكاني في: “إرشاد الفحول” (2/744 – 747).
وقال الشاطبي في ” الموافقات” (3/283) في نهاية البيان والإجمال، مسألة (12): “وأنهم اتفقوا على امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة” أهـ وقال ابن حزم في : “الإحكام في أصول الأحكام” (1/83- 87):
” لا يجوز تأخير البيان عن وقت إيجاب العمل البتة، ولا يجوز أن يؤخره النبي صلى الله عليه وسلم بعد وروده عليه طرفة عين، ولسنا نقول بهذا، لأن العقل يمنع ذلك، لكن لأن النص قد ورد بذلك، وإنما منعنا من تأخير البيان عن وقت وجوب العمل، لقوله الله تعالى: “لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ” (البقرة: 286)، وقد علمنا أنه ليس في وسع أحد أن يعمل بما لا يعرف به، وإنما منعنا من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم البيان عن ساعة وروده، لقول الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ” (المائدة: 67) فلو أخر عليه السلام البيان عن ساعة وروده في تلك المدة، وإن قلت مستحقاً لاسم أنه لم يبلع، ولو أنه لم يبلغ لكان عاصياً، ولا ينسب هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا جاهل، ومن تمادى على نسبته المعصية إليه في طيّ الشريعة وترك تبليغها فهو كافر بإجماع الأمة، ويبين قولنا: قول الله تعالى: ” يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ” (النساء: 176) فإنما يبين لنا لئلا نضل، ولا ضلال في ورود الأمر ما لم يأت وقت وجوب العمل به، فأما إذا جاء وقت وجوب العمل به، فلو تركنا نعمل بغير ما أريد منا لكنا قد ضللنا، وقد أخبرنا تعالى بأن ذلك لا يكون، وقوله تعالى صدق وحق” اهـ.
وفى الحديث الذى رواه مسلم في صحيحه (8/1180) من حديث يعلى بن أمية لما أحرم صاحبي وعليه جبة صوف وعليه الكثير من الطيب فقال الرجل: يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب، ….. فقال صلى الله عليه وسلم: “أما الطيب الذى بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك”.
قال الخطيب البغدادي في ” الفقيه والمتفقة” (1/121 – 122) حيث روى هذا الحديث بسنده واستدل به فقال: “ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه لا يمكن امتثال الأمر من غير بيان، ولهذا قلنا في حديث يعلى بن أمية: إن الفدية غير واجبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حكم بحكم لسبب ذكر له، يجب أن يكون الحكم جميع موجبه، ولا يجوز أن يزاد فيه بغير دليل” أهـ.
• القاعدة الثالثة: “وجوب حمل اللفظ على ظاهرة ما لم يرد دليل صارف” وهذه القاعدة عليها إجماع الصحابة نقله غير واحد من أهل العلم:
قال أبو الحسن بن القطان في “الإقناع في مسائل الإجماع” (1/65/ رقم 239) “واتفق المحققون على منع إزالة الظواهر من غير دليل” أهـ
وقال بدر الدين الزركشي في “البحر المحيط في أصول الفقه” (3/436) ” مسألة: الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه والعمل به، بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ وهو ضروري في الشرع كالعمل بأخبار الآحاد” أهـ
ونقله أيضاً: الشوكاني في “إرشاد الفحول” (2/755)، ونقله الجويني في “البرهان” (1/194) قال: “إن الظاهر حيث يطلب العلم معمول به، والمكلف محمول على الجريان على ظاهره فى عمله، والمعتمد فيه والأصل: التمسك بإجماع علماء السلف والصحابة ومن بعدهم، فإنا نعلم على قطع أنهم كانوا يتعلقون فى تفاصيل الشرائع بظواهرالكتاب والسنة” أهـ
وقال الخطيب البغدادى فى “الفقيه والمتفقة” (1/222):
“ويجب أن يُحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمومه وظاهره، إلا أن يقوم دليل على أن المراد به غير ذلك فيعدل إلى ما دل الدليل عليه.
قال الشافعى: ولو جاز فى الحديث أن يحال شئ منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله، كان أكثر الحديث يحتمل عدداً من المعانى، فلا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره، ولكن الحق فيها واحد، إنما هو على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” أهـ
وقال ابن القيم فى كتابه الجليل: “إعلام الموقعين” (3/84):
“فالواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله وحمل كلام المكلف على ظاهره الذى هو ظاهره، وهو الذى يقصد من اللفظ عند التخاطب، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك، ومدعي غير ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه” أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فى “درء تعارض العقل والنقل” (1/15): “والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين وبين مراده، فكل ما فى القرآن والحديث من لفظ يقال فيه إنه يحتاج فيه إلى التأويل الإصطلاحى الخاص الذى هو صرف اللفظ عن ظاهره، فلابد أن يكون الرسول قد بّين مراده بذلك اللفظ بخطاب آخر، لا يجوز عليه أن يتكلم بالكلام الذى مفهومه ومدلوله باطل ويسكت عن بيان المراد الحق، ولا يجوز أن يرد من الخلق أن يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه، لإمكان معرفة ذلك بعقولهم، فإن هذا قدح فى الرسول الذى بلغ البلاغ المبين الذى هدى الله به العباد”اهـ
وقال ابن حزم في” الإحكام فى أصول الأحكام” (3/307 وما بعدها):
“وقد علم كل ذى عقل أن اللغات إنما رتبها الله عز وجل ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئاً غير الألفاظ المركبة على المعانى المبينة عن مسمياتها، قال تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ” (إبراهيم: 4) واللسان هو اللغة بلا خلاف، فإذا لم يكن الكلام مبيناً عن معانيه، فأى شئ يفهم هؤلاء عن ربهم وعن نبيهم، بل بأى شئ يفهم به بعضهم بعضاً؟، فإن قالوا: بأى شئ تعرفون ما صرف من الكلام عن ظاهره؟ قيل لهم: نعرف ذلك بظاهر آخر مخبر بذلك، أو إجماع متيقن منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مصروف عن ظاهره، وقد أكذب الله تعالى هذه الفرقة الضالة بقوله عز وجل ذاماً لقوم يحترفون الكلم ” قالوا سمعنا وعصينا” (البقرة: 93) ولا بيان أحلى من هذه الآية فى أنه لا يحل صرف كلمة عن موضعها فى اللغة ولا تحريفها عن موضعها فى اللسان، وأن من فعل ذلك فاسق مذموم عاص، بعد أن يسمع ما قاله تعالى. ” كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ” (طه : 99-100) فصح أن الوحى كله، من يترك ظاهره فقد أعرض عنه، وأقبل على تأويل ليس عليه دليل، وقال تعالى ” وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (البقرة: 75) وكل من صرف لفظاً عن مفهومه فى اللغة فقد حرفه، وقد أنكر الله تعالى ذلك فى كلام الناس بينهم، فقال تعالى ” فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ” (البقرة: 18) وليس التبديل شيئاً غير صرف الكلام عن موضعه ورتبته بلا دليل من نص أو إجماع متيقن.
وقال تعالى أمراً بنيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: ” قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ” (الأنعام: 50) ولو لم يكن إلا هذه الآية لكفت، لأنه صلى الله عليه وسلم قد تبرأ من الغيب، وأنه يتبع ما يوحى إليه فقط، ومدعى التأويل وتارك الظاهر تارك للوحى مدع لعلم الغيب، وكل شئ غاب عن المشاهد الذى هو الظاهر فهو غيب ما لم يقم دليل من ضرورة عقل أو نص من الله تعالى أو من رسوله أو إجماع راجع إلى النص المذكور، وقال تعالى: ” وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ” (الإسراء: 73) ومن ترك ظاهر اللفظ وطلب معان لا يدل عليها لفظ الوحى فقط افترى على الله عز وجل بنص الآية المذكورة” أهـ
• القاعدة الرابعة: ” العبرة برواية الراوى لا برأيه”.
وذلك لأن العصمة فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الرواية عنه، أما الراوى فقد ينسى، وقد يتأول ويجتهد فيصرف اللفظ عن ظاهره، والاجتهاد والتأويل يختلف باختلاف المجتهدين ولا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقاعدة المتفق عليها من القواعد الكلية الخمس: “اليقين لا يزول بالشك” واليقين المقطوع به الرواية، ورأى الراوى يحتمل كذا وكذا، وتطرق الاحتمال يُسقط الاستدلال.
قال الإمام ابن القيم فى “إعلام الموقعين” (3/31-33) بعد أن فصل القول بالأمثلة فى المسألة ثم قال: ” والذى ندين به ولا يسعنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: أن الحديث اذا صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه: أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائناً من كان، لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوى الحديث، أولا يحضره وقت الفتيا، أولا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحاً، أو يقوم فى ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضاً فى نفس الأمر، أو يقلد غيره فى فتواه بخلافه، لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه، لم يكن الراوى معصوماً” أهـ.
ومما ذكره ابن القيم رحمه الله كأمثلة على هذا الأصل:
1) حديث ابن عباس رضى الله عنهما المتفق عليه عند البخارى (1602) ومسلم (1266) ” أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يرملو الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين” وقد خالف ابن عباس ذلك وقال الرمل ليس بسنة قال ابن حجر فى “فتح البارى” (3/539) باب الرمل فى الحج والعمرة: وهو الذى عليه الجمهور، وقال ابن عباس: ليس هو بسنتة، من شاء رمل ومن شاء لم يرمل”.اهـ
2) وأخذوا براوية عائشة التى رواها البخارى (294) ومسلم (120 / 1211). فى صحيحيهما فى منع الحائض من الطواف، وقد صح عنها رضى الله عنها أن امرأة حاضت وهى تطوف معها فأتمت بها عائشة بقية طوافها، رواه سعيد بن منصور فى سننه.
3) وأخذ الأئمة الأربعة براوية عائشة رضى الله عنها فى التحريم بلبن الفحل وهو الحديث الذى رواه البخارى فى صحيحه (4796) ومسلم (1445) وأنها امتنعت من إدخال عمها من الرضاع عليها فقال صلى الله عليه وسلم “أئذنى له فإنه عمك تربت يمينك” وقد صح عنها فيما رواه ابن حزم فى “المحلى” (10/2) قال: “وقد رأى قوم من السلف هذا لا يحرم شيئاً كما صح عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها (فروى بسنده) عن عائشة أنها كانت تأذن لمن أرضعته أخواتها وبنات أخيها، ولا تأذن لمن أرضعته نساء إخوتها وبنى إخوتها”.
4) وأخذوا بروايتها عند البخارى (1090) ومسلم (3/685): “فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد فى صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر” قال الزهرى: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم فى السفر؟ قال: “إنها تأولت كما تأول عثمان”.
5) وثبت فى صحيح البخارى (1563) نهى عثمان عن المتعة وعند مسلم (159/1223) عن عثمان أنه تمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا بروايته وتركوا قوله، ثم قال ابن القيم: وهذا باب يطول تتبعه” أهـ.
• القاعدة الخامسة: “الإجماع السكوتي مختلف في حجيته”.
وصورته كما قال الشوكانى فى “إرشاد الفحول” (1/399/ وما بعدها): “فى الإجماع السكوتى، وهو: أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك فى المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ولا يظهر منهم اعتراف ولا إنكار وفيه مذاهب: أنه ليس بإجماع ولا حجة، قاله داود الظاهرى وابنه وعزاه القاضى إلى الشافعى واختاره وقال: إنه آخر قول الشافعى، وقال الغزالى والرازى والأمدى: إنه نص الشافعى فى الجديد.
والقول الثانى: إنه إجماع وحجة ، وبه قال جماعة من الشافعية وجماعة من أهل الأصول وروى نحوه عن الشافعى- يعنى قوله القديم.
القول الثالث: بأنه حجة وليس بإجماع، القول الرابع: أنه اجماع بشرط انقراض العصر – يعنى موت أهل الحل والعقد فى هذا الزمن- وهو قول أحمد فى رواية، والقول الخامس: أنه إجماع إن كان فتيا لا حكماً واختاره ابن السمعاني والماوردي والرافعي وغيرهم ووجهه: أن الحاكم لا يعترض عليه فى حكمه فلا يكون السكوت دليل الرضا، القول السادس عكس الخامس، القول السابع: أنه إن وقع فى شئ يفوت استدراكه من إراقة دم واستباحة فرج كان إجماعاً وإلا فهو حجة.
القول الثامن: إن كان الساكتون أقل كان اجماعاً وإلا فلا، القول التاسع: إن كان فى عصر الصحابة كان إجماعاً وإلا فلا، القول العاشر: أن ذلك إن كان مما يدوم ويتكرر وقوعه والخوض فيه فإنه يكون السكوت إجماعاً وبه قال إمام الحرمين، وقال الشافعي: “ولا يُنسب إلى ساكت قول”.
القول الحادى عشر: أنه إجماع بشرط إفادة القرائن العلم بالرضا وذلك بأن يوجد من قرائن الأحوال ما يدل على رضا الساكتين بذلك القول، فيصير كالإجماع القطعى النطقى. القول الثانى عشر: أنه يكون حجة قبل استقرار المذاهب لا بعدها، فإنه لا أثر للسكوت لما تقرر عند أهل المذاهب من عدم إنكار بعضهم على بعض إذا أفتى أو حكم بمذهبه مع مخالفته لمذهب غيره” أهـ وأنكره ابن حزم، فقال كما في النبذ (ص 33): “فبطل قول من قال: إن ما صح عن طائفة من الصحابة رضى الله عنهم ولم يعرف عن غيرهم إنكار لذلك فإنه منهم إجماع؛ لأن هذا إنما قول بعض المؤمنين، وقد قال تعالى: ” وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ” (النساء: 15) وأيضاً فإن من قطع على غير ذلك القائل بأنه موافق لذلك القائل فقد قفا ما لا علم له به، وهذا حرام، قال الله تعالى: ” وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ” (الإسراء: 36) فإن قيل هم أهل الفضل والسبق، فلو أنكروا شيئاً لما سكتوا عنه، قلنا. هذا لو صح ذلك أنهم كلهم علموه وسكتوا عليه، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده فى قول قائل منهم أبداً، لأن الصحابة تفرقوا فى البلاد” أهـ.
قال ابن قدامة فى “روضة الناظر” (1/434/ وما بعدها): ( …… وقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب: أحدها: أن يكون المانع فى باطنه لا يطلع عليه، الثانى: أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب، الثالث: أن لا يرى الإنكار فى المجتهدات ويرى ذلك القول سائغاً لمن أداه اجتهاده إليه إن لم يكن هو موافقاً.
الرابع: أنه لا يرى البدار- أي المبادرة والإسراع في الإنكار- مصلحة، لعارض من العوارض ينتظر زواله فيموت قبل زواله أو يشتغل عنه.
الخامس : أن يعلم أنه لو أنكر لا يلتفت إليه، وناله ذل وهوان، كما قال ابن عباس حين سكت عن العول بالقول فى زمن عمر رضى الله عنه: ” كان رجلاً مهيباً فهبته”، السادس: أن يسكت لأنه متوقف فى المسألة، لكونه فى مهلة النظر، السابع: أن يسكت لظنه أنه غيره قد كفاه للإنكار وأغناه عن الإظهار، لأنه فرض كفاية. ويكون قد غلط فيه وأخطأ فى وهمه” أهـ
وزاد الأمدى فى “الإحكام” (1/331/ وما بعدها):
“وقد احتج النافون لكونه إجماعاً: بأن سكوت من سكت يحتمل أن يكون، لأنه موافق، ويحتمل أنه لم يجتهد فى حكم الواقعة، ويحتمل أنه اجتهد لكن لم يؤده اجتهاده إلى شئ بعد، وإن أدى اجتهاده إلى شئ فيحتمل أن يكون ذلك الشئ مخالفاً للقول الذى ظهر ولكنه لم يظهره: إما للتروّي والتفكر فى ارتياد وقت يتمكن من إظهاره..”أهـ إلى آخر ما قال.
قلت: وحتى الذى اعتبر الإجماع السكوتي من الصحابي رضى الله عنه حجة وإجماعاً واستبعد هذه الوجوه السبعة كالسمعاني، فقد قال فى ” قواطع الأدلة” (2/7): “ولكنى أقول: إنه لابد من وجود شبهة فى هذا الاجماع بالوجوه التى قالها الخصوم، فيكون إجماعاً مستدلاً عليه، ويكون دون القواطع من وجوه الإجماع فى المسائل التي قدمناها” أهـ.
قلت: وعلى ضوئه لا يستقيم الاحتجاج بالإجماع السكوتي لورود هذه الاحتمالات عليه والتى تضعف من حجيته بلاشك، إذ الفروض والواجبات والأحكام الشرعية لا تثبت بالاحتمال والشك.
فإذا تقرر عندك ما مضى بدليله ظهر لك: أن قاعدة الأمر للوجوب مجمع عليها إجماعاً قطعياً وبالدليل من الكتاب والسنة، وأن القاعدة الثانية وهى وجوب حمل اللفظ على ظاهرة عليها الإجماع القطعي والدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأن القاعدة الأخرى التي نقل عليها الإجماع: “لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة” عليها الإجماع القطعي والدليل من كتاب الله، فهذه ثلاث قواعد لا تقوى قاعدة الإجماع السكوتي المختلف فيها اختلافاً واسعاً ان تسقط هذه الإجماعات الثلاثة فى القواعد الثلاث المذكورة.
وأضف إليها القاعدة الرابعة وهى ” العبرة برواية الرواى لا برأيه” فيتقرر عندك أربعة أصول عليها مدار الكلام في مسألة الأخذ من اللحية فأقول: روى مسلم فى صحيحه (259) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي” وفى رواية (54/259):
“وأوفوا اللحي” وفي رواية(55/260):”وأرخو اللحّي” خالفوا المجوس” وفي رواية “خالفوا المشركين” وعند البخاري في صحيحه (5892): “وفروا اللحّي” قال النووي في “شرح مسلم” (3/114/ وما بعدها): “وأما إعفاء اللحية فمعناها توفيرها، وهو معنى أوفوا اللحي في الرواية الأخرى، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك.
وأما ” أوفوا” فهو بمعنى أعفوا أى اتركوها وافية كاملة لا تقصوها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم “وأرخوا اللحي” فمعناه أيضاً اتركوها ولا تتعرضوا لها بتغيير (ثم قال) والمختار ترك اللحية على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير شئ أصلا” أهـ . وذلك أنه ذكر عن القاضى عياض جواز الأخذ من طولها وعرضها فرد هذا القول، لأنه مخالف للأوامر بالترك وعدم التعرض.
وقال ابن حجر فى “الفتح” (10/387): “قوله “ووفروا اللحي” من التوفير وهو الإبقاء أى اتركوها وافرة، وفى رواية “أعفوا اللحي” فحقيقة الإعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها” أهـ.
وزاد البخارى فى روايته (5892): “وفروا اللحي وأحفوا الشوارب، وكان ابن عمر إذا حج واعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه”.
قال الحافظ ابن حجر فى “فتح البارى” (10/387-388): “هو موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك فى الموطأ عن نافع بلفظ: “كان ابن عمر إذا حلق رأسه فى حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه” قال الكرماني”.
لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير فى النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل فى عموم قوله تعالى ” مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ” (الفتح : 27) وخص ذلك من عموم قوله ” وفروا اللحي” فحمله على حالة غير حالة النسك” أهـ.
قلت: قول الكرماني هذا يدل على أن ابن عمر رضى الله عنهما فعل ذلك اجتهاداً وتأولاً للآية فخصص عموم الحديث باجتهاده، ولا يستقيم الاجتهاد مع النص لأن الإجماع على: أنه لا اجتهاد مع النص فتأول وخالف الدليل كما خالف عثمان وعائشة وابن عباس رضى الله عنهما فيما مضى عند القاعدة الرابعة وأن العبرة بالرواية لا برأي الراوي، ويؤخذ أيضاً من قول الكرماني أن ما فعله ابن عمر لا يوجد فى الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يقويه وسواء كان ابن عمر يفعله فى النسك فحسب كما هو ظاهر كلام الكرماني أو بفعله فى غير النسك فلا عبرة بفعلة لأنه يخالف الحديث المرفوع بالأمر بالترك بالكلية، ومخالفة ظاهر الحديث الذى لا يصرف عن ظاهره إلا بدليل ولا دليل، أضف إلى ذلك القاعدة الثانية ” لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة” بالإجماع فلو كان هناك استثناء على إعفاء اللحية وتركها لبينه النبى صلى الله عليه وسلم عند أمره بإعفاء اللحية، ولم يثبت فى حديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد فعل ذلك فى حجة الوداع أو فى أى عمرة أخرى، وحديث جابر عند مسلم الحديث الطويل ما ذكر فيه ولا فى غيره أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ من لحيته ولو كان جائزا لفعله لبيان الجواز فلما لم يفعله ولو لمرة ظهر أن فعله لا يجوز.
فإن قيل قد وافق أبو هريرة ابن عمر ولم يٌعلم لهما مخالف قلنا: هذه صورة الإجماع السكوتى وهو غير حجة لتطرق الاحتمال إليه كما مر فى القاعدة الخامسة، ولا تقوى حجية الإجماع السكوتى مع ضعفها والاختلاف الكبير فيها على رد إجماع الأمر للوجوب وإجماع عدم صرف اللفظ عن ظاهره وإجماع لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وحجية الأصل الرابع أن الحجة في الرواية لا في رأى الراوي.
ثم قال ابن حجر في “الفتح” (10/387-388): ” قلت : الذى يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التى تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبرى: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا – أى كراهة تحريمية – تناول شئ من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبى هريرة أنه فعله.
وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: ” كنا نعفى السبال إلا فى حج أو عمرة” وقوله “نعفى” أى نتركة وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر فإن السبال جمع سبلة- بفتحتين- وهى ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها فى النسك” أهـ قلت: على فرض صحة الحديث فإن الدلالة منه فقط فى النسك فحسب فالحديث أخص من الدعوى من الأخذ من اللحية مطلقاً، ثم أن الحديث رواه أبوداود فى سننه (4197) فى كتاب الترجل من رواية أبى الزبير عن جابر قال: الحديث، وأبو الزبير مدلس ولم يصرح بالتحديث، ولذلك ضعف الشيخ الألبانى الحديث فلا يقوى هذا الحديث الضعيف على رد الأوامر الشرعية المتفق عليها بترك اللحى فى النسك وغير النسك ولو كان الأخذ منها خيراً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان ابن عمر رضى الله عنه يجتهد فى الوضوء ويغسل داخل عينيه حتى أصيب فيهما وقد خالف باجتهاده هذا رضى الله عنه وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا عبرة لغير الحديث المرفوع عند معارضة قول الصحابة أو فعله له. ثم قال الحافظ فى “الفتح” (10/388): “ثم حكى الطبرى اختلافاً فيما يؤخذ من اللحية هل له حد” أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذى يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصرى أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهى على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال: وكره آخرون التعرض لها إلا فى حج أو عمرة وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبى صلى الله عليه وسلم: كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها” وهذا أخرجه الترمذى ونقل عن البخارى أنه قال فى رواية هذا الحديث رواية عمر بن هارون: لا أعلم له حديثاً منكراً إلا هذا انتهى. وقد ضعف عمر بن هارون جماعة مطلقاً” أهـ قلت: فلما لم يكن لهذه الاجتهادات أصل مرفوع اختلفوا فقال الحسن البصرى قولاً وقال عطاء قولاً وقال الطبرى قولاً والحديث فى الأخذ من طول اللحية وعرضها لم يثبت أقول هو عمر بن هارون البلخي وقد قيل عليه كذاب، فكيف نترك الأحاديث المرفوعة بالأوامر بإعفاء اللحي وتركها ويؤخذ بالاجتهادات؟!، ثم ما نقل عن ابن عمر وإن كان من اجتهاده ولا حجة فى الاجتهاد مع وجود النصوص المرفوعة الصحيحة الصريحة، فقد قال ابن التين عن فعل ابن عمر كما ذكره الحافظ فى “الفتح” بعد النقل السابق حيث قال: “تنبيه: أنكر ابن التين ظاهر ما فعل عن ابن عمر فقال: ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته، بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل منها عن ذلك ليتساوى مع طول لحيته” أهـ قلت: وما قال ابن التين ذلك إلا لأن الأخذ من اللحية مخالف للنصوص الشرعية، وفسر فعل ابن عمر أنه ما كان يأخذ ما زاد على القبضة بل يأخذ أطرافاً قليلة يهذبها، وقد اجتهد ابن عمر رضى الله عنهما حتى فى أخذ ذلك القليل الذي لا يجوز أخذه، ثم كيف يقول الطبرى رحمه الله لمن أطال لحيته: ” لعرض نفسه لمن يسخر منه” وقد قال صلى الله عليه وسلم “كل خلق الله حسن”؟! رواه الطبرانى فى الكبير (7240) وأحمد (19364) بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع (5/124) وقالت عائشة رضى الله عنها: ” سبحان من زين وجوه الرجال باللحى”؟!
فإن قيل هذا قول الإمام أحمد رحمه الله قلت: الكل يؤخذ من قوله ويرد، وإن كان قول الصحابي الجليل يترك لو خالف المرفوع فكيف بمن دونه، ومعلوم أن الإمام أحمد يأخذ بأقوال الصحابة فى المسألة كما هو معلوم من أصوله فى الاستنباط والاستدلال.
فإذا كان ذلك كذلك فالقول ما قاله النووى فى شرحه أنفاً حيث قال:
” والمختار بترك اللحية على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير شئ أصلاً”. أهـ وهو ما وافق النصوص الشرعية، والقواعد الأصولية الاستنباطية الاستدلالية، القائمة على الكتاب والسنة والإجماع.
ثم أن القول بجواز الأخذ من اللحية مع ضعفه ومخالفته للأدلة والأصول فتح باب شر وتجرؤ على العبث باللحية والتشبه بالإخوان والحزبين وأهل الأهواء، ثم ما هو الضابط الذى يعول عليه فى الأخذ منها وقد اختلف فى ما كان يأخذه ابن عمر رضى الله عنه من لحيته، ولا دليل من حديث أو آية تضبط هذا المأخوذ الذي الأصل فيه الحرمة؟!
فخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه صحابته الكرام وليس في المسألة حديث ولا إجماع، وبالله التوفيق والرشاد والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب
د. أبو عبد الرحمن عيد بن أبى السعود الكيال
وقد بدأته في بداية ليلة الجمعة الموافق الثامن والعشرين من جماد آخر / 1439/ هـ، الموافق السادس عشر من مارس 2018 هـ
وقد انتهيت منه قبل الفجر من نفس الليلة.
والحمد لله رب العالمين