ر1310 زيارة 

۞ القِـسـم : مقالات فقهية أصولية
۞ تاريخ الرفع : 26-03-2020 م .


بسم الله الرحمن الرحيم
فِقْهُ الاسْتِسْقَاءِ وَبَلْبَلَةُ الشُّئُون، وَليسَ لَها من دون الله كاشِفَةٌ

«¢»

الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتقين ولا عُدْوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، أما بعد:

فقد قال ابن رشد الحفيد في كتابه «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (1/268):

«في صلاة الاستسقاء: أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء والبروز عن المِصْر، والدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليه في نزول المطر سُنّة سنّها رسولُ الله ﷺ». اهـ.

روى البخاري في «صحيحه» (1039) باب: لا يدري متى يجيء المطر إلا الله، من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:

«مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم أحد ما يكون في غدٍ، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت، وما يدْري أحدٌ متى يجيء المطر»، وزاد الإسماعيلي: «إلا الله».

(*) بيان صفة هذه الصلاة وما فيها من الأحكام:

وروى البخاري (1023)، ومسلم (894) من حديث عبّاد بن تميم عن عمه، وكان من أصحاب النبي ﷺ، وهو عبد الله بن زيد بن عاصم: أنّ رسول الله ﷺ خرج بالناس يستسقي، فصلَّى بهم ركعتين جَهَر فيهما بالقراءة، ورفع يديه حَذْو مَنْكِبَيْه وَحَوَّل رداءه، واستقبل القبلة واستسقى»، وفي الحديث صلاة ركعتين لها.

قال ابن رشد في «بداية المجتهد» (1/270):

«واتفقوا على أنّ سُنَّتها: أن يستقبل الإمام القبلة واقفًا ويدعو، ويحوّل رداءَه رافعًا يديه، على ما جاء في الآثار، فأما كيفية تحويل الرداء: فالجمهور على أنه يجعل ما على يمينه على شماله، وما على شماله على يمينه، وقال الشافعي: بل يجعل أعلاه أسفله، وما على يمينه منه على يساره، وما على يساره على يمينه، وسبب الاختلاف: اختلاف الآثار في ذلك، وذلك أنه جاء في حديث عبد الله بن زيد: أنه ﷺ خرج إلى المُصَلَّى فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين» [رواه الترمذي (555) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (1267)]، وفي بعض الروايات: قلت: «أجْعلُ الشمالَ على اليمينِ واليمينَ على الشمال؟ أم أَجْعَلُ أعلاه أسفله؟ قال: «بل اجعل الشمال على اليمين واليمين على الشمال» [وأصل الحديث في «الصحيحين»]، وجاء أيضًا في نفس الحديث أنه قال: «استسقى رسول الله ﷺ وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقُلت عليه قلبها على عاتقه» [ورواه الحاكم في «المستدرك» (1221)، وصححه، ووافقه الذهبي]، وجماعة من العلماء على أنّ الخروج لها وقت الخروج إلى صلاة العيدين، وروى أبو داود عن عائشة: «أن رسول الله ﷺ خرج إلى الاستسقاء حين بدا حاجب الشمس». اهـ

رواه أبو داود في «سننه» (1173)، وصححه ابن حبان في «صحيحه» (2860- إحسان)، والحاكم في «المستدرك» (1225)، وصححه، ووافقه الذهبي.

(*) وثبت في البخاري (1013)، ومسلم (897) من حديث أنس قال: جاء رجل ورسول الله ﷺ قائم يخطب، فاستقبل رسولَ الله قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعُ الله يغيثنا، فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا»، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قَزَعَة، وما بيننا وبين سَلْعٍ [جبل] من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرْس، فلما توسَّطت السماءَ انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سَبْتًا» -وفي رواية: «فمُطرنا من الجمعة إلى الجمعة»- ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة ورسول الله ﷺ قائمٌ يخطب، فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال [يعني: البهائم]، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، فقال: فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: «اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس»..

(*) قال الحافظ الفقيه الأصولي تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه: «إحكام الأحْكَامِ شرح عمدة الأحكام» (ص370/ ح153):

«وفي الحديث دليل على الدعاء لإمساك المطر، كما يستحب الدعاء لنزوله عند انقطاعه، فإن الكل مُضِرٌّ». اهـ

قلت: وهذا الحديث فيه الاستسقاء بدون ركعتين ولا خطبة، وهي الصورة الثانية التي استسقى بها على المنبر في خطبة الجمعة.

وفي نفس الحديث بيان للأصل الكلي الذي قامت عليه مقاصد الشريعة، وهي في القاعدة الكلية المتمثلة في خلاصة هذا الدين: «الأصل جلب المصالح ودفع المفاسد والمضارّ».

(*) وروى الحاكم في «المستدرك» (1222، 1227)، وصححه، ووافقه الذهبي، من حديث جابر بن عبد الله قال: أتت النبي ﷺ بواكي فقال -وفي رواية قال: دعا في الاستسقاء فقال: «اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا سريعًا، طبقًا غير رائث، نافعًا غير ضارّ»، وفي رواية: «عاجلًا غير آجل»، وفي رواية: «مريئًا مربعًا»، وفي رواية (1218)، وصححها، ووافقه الذهبي قال: «خرج رسول الله ﷺ متخشعًا متذللًا فصنع فيه كما صنع في الفطر والأضحى».

يعني: هذه صفة ثالثة من صفات صلاة الاستسقاء، كما في صفة صلاة العيد وتكبيراتها، وظهر في هذه الرواية أن صفة المصلين أن يكونوا متخشعين في صلاتهم متضرعين أذلاء لله تعالى، وهذه صفات دعاء المضطر، ونحن المصريين اليوم في أمس الحاجة إلى هذا الدعاء؛ لهذا الخطر العظيم الذي يهدد حياتنا في نهر النيل شريان الحياة حفظه الله، والرغبة في تقليل حصَّتنا منه، ليهلك الحرث والنسل والبلاد والعباد، فتوجّب الأخذ بالأسباب.

ومعنى «غيثًا مُغيثًا»: مطرًا مطيرًا كثيرًا؛ أي: مُعينًا، من الإغاثة بمعنى الإعانة، وقوله: «مريئًا»: هنيئًا محمود العاقبة لا ضرر فيه من الغرق والهدم، وقوله: «مَرْبَعًا»: بالباء، كان معناه منبتًا للربيع، قاله الخطابي في «معالم السنن» (1/221).

وقوله: «غير رائث»: غير آجل، ومن جملة لوازم الاستسقاء القدرة على الحفاظ على مقدَّراتنا المائية.

وفي رواية للبخاري (1013): «اللهم اسقنا»، وعند أبي داود (1172) في «سننه».

وفي رواية للبخاري (1031): «كان النبي ﷺ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يُرى بياض إبطَيْه»، وعند مسلم (895): «استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء». قلت: وهذا خاص في رفع اليدين هنا.

وقال الشوكاني في: «نيل الأوطار» (7/190/ح1351):

«قوله: «إلا في الاستسقاء» ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو غير معارض للأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء وهي كثيرة، وقد أفْرَدها البخاري بترجمة في آخر كتاب الدعوات، وساق فيها عدّة أحاديث، وصنف المنذري في ذلك جزءًا، وقال النووي في «شرح مسلم»: هي أكثر من أن تُحْصَر، قال: وجمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا في «الصحيحين» أو أحدهما، وذكرتها في آخر باب صفة الصلاة في «شرح المهذب». انتهى [3/487-490]، فذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل بها أولى، وحُمل حديث أنس في البخاري على نفي رؤيته، وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره [قلت: والقاعدة: الذي يعلم حُجة على من لا يعلم]، وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع، بأن يحمل النفي على جهة الخصوصية». اهـ قلت: والقاعدة: «الأصل عدم الخصوصية حتى يأتي دليل»، ولا دليل في المسألة، والأصل: الائتساء بصلاته مطلقًا: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري في «صحيحه» (631)، ومسلم (391)، وهذا عام في كل صلاة.

وروى أبو داود في «سننه» (1173) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رسول الله ﷺ إذا استسقى قال: «اللهم اسْقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأَحْيِ بلدك الميت». وقال المنذري في «مختصر السنن» (3/12) على هامش «السنن»: «مرسل».

قال السندي في «شرح سنن ابن ماجه» (2/94) على هامش «السنن»:

«قوله: (وقلب) بالتشديد والتخفيف؛ أي: تفاؤلًا أن يقلب الله تعالى الأحوال من عُسْرٍ إلى يُسْر». اهـ

وقال ابن رشد في «بداية المجتهد» (1/269):

«الذي يدل عليه اختلاف الآثار في صفة صلاة الاستسقاء في ذلك ليس عندي فيه أكثر من أن الصلاة ليست من شرط صحة الاستسقاء؛ إذ ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قد استسقى على المنبر، وأجمع القائلون بأنّ الصلاة من سنته على أن الخطبة أيضًا من سُنَّته لورود ذلك في الأثر. قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله ﷺ صلى صلاة الاستسقاء وخطب». اهـ قلت: والمراد أن الكلّ سُنَنُهُ، وكلٌّ خير، وهذا من باب التنوع في الروايات الصحيحة والعمل بها.

قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (7/174-175):

«قال في «الفتح»: الاستسقاء لغة: طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير، وشرعًا: طلبه من الله تعالى عند حصول الجدْب على وجه مخصوص. انتهى.

وقال الرافعي: هو أنواع، أدناها: الدعاء المُجرَّد، وأوسطها: الدعاء خلف الصلوات، وأفضلها: الاستسقاء بركعتين وخطبتين، والأخبار وردت بجميع ذلك». اهـ

(*) فقه المسألة والمراد منها:

بدأ المجد ابن تيمية أبواب الاستسقاء من كتابه «المنتقى» حديث (1343) بما رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب العقوبات، وقال البوصيري في «الزوائد» (4/367) على هامش «السنن»: «هذا حديث صحيح الإسناد صالح للعمل به»، وحسنه المجد، والحاكم في «المستدرك» (2/126)، وصححه ووافقه الذهبي من حديث ابن عمر قال: «أقبل علينا رسول الله ﷺ فقال:

«يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهن:

لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعْلِنُوا بها إلَّا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مَضَوْا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلَّا أُخِذُوا بالسنين وشِدَّة المَئُونة وجور السلطان، ولم يَمْنعوا زكاة أموالهم إلَّا مُنِعوا القَطْرَ من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَروا، ولم ينقضُوا عهد الله وعهد رسوله إلَّا سلَّط الله عليهم عدُوًّا مِنْ غيرهم فأخذُوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيَّروا مما أنزل الله إلَّا جعل الله بأسهم بينهم».

قال السندي في «شرح ابن ماجه» (4/368):

«قوله: «بالسنين»؛ أي: القحط». اهـ

وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (7/175):

«قوله: «لم ينقصوا المكيال والميزان»: فيه أن نقص المكيال والميزان سبب للجدب وشدّة المئونة وجور السلاطين.

قوله: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم»: فيه أنّ مَنْع الزكاة من الأسباب الموجبة لمنع قطر الماء، «ولولا البهائم»: فيه أن نزول الغيث عند وقوع المعاصي إنما هو رحمة من الله تعالى للبهائم.

وأخرج الدارقطني [في «سننه» (2/66/رقم 1)]، والحاكم [في «المستدرك» (1251) وصححه ووافقه الذهبي] من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «خرج نبيٌّ من الأنبياء يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة». اهـ

قلت: وروى الحاكم (1216) وصححه ووافقه الذهبي، عن جابر قال: «استسقى رسول الله ﷺ وحوّل رداءه ليحوَّل القحط».

وروى أبو داود في «سننه» (1170) قال أبو داود: وهذا حديث غريب إسناده جيد، ورواه الحاكم في «المستدرك» (1255) وصححه ووافقه الذهبيّ، وابن حبان في «صحيحه» (2860)، وصححه ابن السكن كما قال ابن حجر والشوكاني، وحسنه المجد، من حديث عائشة قالت:

شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قُحُوط المطر، فأمر بمنبر فوُضع له في المُصَلَّى، وَوَعَدَ الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبّر وحمد الله ۵ ثم قال:

«إنكم شكوْتُمْ جَدْب دياركم واستئخار المطر عن إِبَّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم الله ۵ أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم». ثم قال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلّا الله يفْعَلُ ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغًا إلى حين». ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب أو حوّل رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، وأنشأ الله تعالى سبحانه فَرَعَدَتْ وبرقتْ حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنّ ضحك حتى بدت نواجِذُه فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسولُه». والكِنُّ: البيت، وحاجب الشمس: ضوؤها أو ناحيتها «القاموس المحيط» (1/52)، (4/257).

وروى البيهقيّ في «السنن الكبرى» (3/352)، وذكره المجد في «المنتقى» (ح1350) عن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي فلم يَزِد على الاستغفار فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيْث بمجاديح السماء التي يُسْتَنْزَل به المطر»، ثم قرأ: ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ [نوح: 10-11]، ﴿ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [هود: 90]».

(*) قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (7/189-190):

«قوله: «فلم يزد على الاستغفار»: فيه استحباب الاستكثار من الاستغفار؛ لأن منع المطر متسبّب عن المعاصي، والاستغفار يمحوها فيزول بزوالها المانع من القطر.

قوله: «بمجاديح السماء»: قال في «القاموس»: أنواؤها. انتهى.

والمراد بالأنواء: النجوم التي يحصل عندها المطر عادة بإذن الله، فشبّه الاستغفار بها.

واستدل عمر بالآيتين على أن الاستغفار الذي ظنَّ أن الاقتصار عليه لا يكون استسقاء، من أعظم الأسباب التي يحصل عندها المطر والخصب؛ لأن الله ۴ قد وَعَدَ عباده بذلك، وهو لا يُخلف الوعد، ولكن إذا كان الاستغفار واقعًا من صميم القلب وتطابق عليه الظاهر والباطن، وذلك مما يقل وقوعه». اهـ

قلت: فهذه أسباب نزول المطر وانقطاعه، وشروط الاستسقاء، وصحة الاعتقاد، وحسن الظن بالله تعالى، وتصور المناط وتحقيقه ليكتمل الائتساء ويأتي بثماره، وربط الدين بالدنيا لحصول الخير.

(*) البخاريُّ الإمامُ الفقيهُ:

بوّب البخاري في «صحيحه» حديث (1034): باب إذا هَبَّتِ الريح، عن أنس ابن مالك يقول: «كانت الريح الشديدة إذا هبّت عُرِفَ ذلك في وجه النبيّ ﷺ».

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (2/602):

«قوله: (باب إذا هبّت الريح): أي: ما يصنع من قول أو فعل، قيل: وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء: أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر والريح في الغالب تعقبه، وقد سبق قريبًا التنبيه على إيضاح ما يصنع عند هبوبها، ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء الخلق، ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن أنس: أن النبي ﷺ كان إذا هاجت ريح شديدة قال: «اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شرّ ما أمرت به»، وهذه زيادة على رواية أحمد يجب قبولها لثقة رواتها، وفي الحديث الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه». اهـ قلت: وما ذكر من الحديث وشرحه هو فقه المسألة.

(*) ثم بوب: باب ما قيل في الزلازل والآيات (1036) من حديث أبي هريرة قال: قال النبيّ ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض».

قال الحافظ في «فتح الباري» (2/603):

«لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوّف المفضي إلى الخشوع والإنابة، كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أوْلى بذلك، لاسيّما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة.

وقال الزين بن المنيّر: وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء: أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبًا مع نزول المطر، وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصّه». اهـ

قلت: ويحسن في هذا السياق ذكر ما رواه البخاري (1044)، ومسلم (901) من صلاة الكسوف من حديث عائشة، وفيه قال رسول الله ﷺ: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلوا وتصدّقوا»، ثم قال: «يا أمّة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا».

قال ابن دقيق العيد في «إحكام الأحكام» (ص365/حديث 150):

«قوله: «والله لو تعلمون ما أعلم…»: فيه دليل على ترجيح مقتضى الخوف، وترجيح الخوف في الموعظة على الإشاعة بالرخص، لما في ذلك من التسبب إلى تسامح النفوس؛ لما جُبِلَتْ عليه من الإخلاد إلى الشهوات، وذلك مرض خطير، والطبيب الحاذق يقابل العلة بضدّها لا بما يزيدها». اهـ

وقلت: وعليه، فلابد للعبادة من أصلَيْها: الترغيب والترهيب بحَسَبِهِ، ويُعضّد ما ذكرت آنفًا، ما قاله ابن رشد في «بداية المجتهد» (1/268) قال:

«وقد استحبَّ قوم الصلاة للزلزلة والريح والظلمة، وغير ذلك من الآيات، قياسًا على كسوف القمر والشمس؛ لنصّه -عليه الصلاة والسلام- على العلة في ذلك، وهي كونها آية، وهو من أقوى أجناس القياس عندهم؛ لأنه قياس العلة التي نصّ عليها، وروى عن ابن عباس أنه صلى لها مثل صلاة الكسوف». اهـ

قلت: رواه عن ابن عباس: ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/472)، وفي «السنن الكبرى» (3/343)، وعبد الرزاق في «المصنف» (4929): أنه صلى في الزلزلة بالبصرة، فأطال القنوت ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع، ثم سجد، ثم صلى الثانية كذلك، فصارت صلاتُهُ ثلاث ركوعات وأربع سجدات، قال: هكذا صلاة الآيات»، وألحقه عبد الرزاق (4930) بأثر عن حذيفة عن قتادة قال: «صلى حذيفة بالمدائن بأصحابه مثل صلاة ابن عباس في الآيات» باب الآيات في صلاة الاستسقاء. قلت: وهذا يؤكد ما قال ابن رشد والدليل عليه، وقد صحح الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (2/608) حديث (1040) وما بعده في الشرح، وكل ما قيل عند قولي: «البخاري الإمام الفقيه»، وما قيل بعده من النقولات يؤيده ويُستدل عليه بالآتي:

(*) جملة من الآيات القرآنية التي تُبرهن على ما ذكرته آنفًا:

(1) قال الله تعالى: ﴿ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [الروم: 41]، قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (14/31):

«قوله تعالى: ﴿ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾: قال قتادة والسدّي: الفساد الشرك وهو أعظم الفساد، وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: فساد البرّ قتل ابن آدم أخاه، قابيل قتل هابيل، وفي البحر: بالمَلِك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبًا.

وقيل: الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة، ونحوه قال ابن عباس: هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا، قال النحاس: وهو أحسن ما قيل في الآية.

وعنه أيضًا: إن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم، قال عطية: فإذا قلّ المطر قل الغوْص عنده، وأخفق الصيّادون، وعميت دوابّ البحر.

وقال ابن عباس: إذا أمطرت السماء تفتّحت الأصداف في البحر فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ، وقيل: الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش، وقيل: الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم؛ أي: صار هذا العمل مانعًا من الزرع والعمارات والتجارات، والمعنى كله متقارب.

وقال النحاس: في معناه قولان: أحدهما: ظهر الجَدْب في البر؛ أي: في البوادي وقُراها، وفي البحر؛ أي: في مدن البحر [يعني: المدن السواحلية]، مثل: ﴿ﮚ ﮛ﴾ [يوسف: 82]؛ أي: ظهر قلة الغيث وغلاء الأسعار ﴿ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾؛ أي: عقاب بعض ﴿ﰉ ﰊ﴾، ثم حذف ما يدل عليه.

والقول الآخر: ظهرت المعاصي في البرّ والبَحْر فحبس الله عنهما الغيث [المطر] وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا ﴿ﰋ ﰌ﴾ لعلهم يتوبون». اهـ

وقال ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (6/152):

«أي: بأن النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي، وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببًا في محاق البركات من السماء والأرض». اهـ

قلت: وهذا جماع الدين والدنيا.

(2) وقال الله تعالى: ﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ [النور: 63]، قال القرطبي في «جامعه» (12/247-248):

«بهذه الآية احتجّ الفقهاء على أن الأمر على الوجوب؛ ووجهها: أن الله تبارك وتعالى قد حذّر من مخالفة أمره وتوعّد بالعقاب عليها بقوله: ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾  فتحرم مخالفته، فيجب امتثال أمره.

والفتنة هنا القتل، قاله ابن عباس، وقال عطاء: الزلازل والأهوال، وقيل: الطبعُ على القلوب بشؤم مخالفة الرسول.

قوله: ﴿ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ ؛ أي: يعرضون عن أمره». اهـ

وقال ابن كثير في «تفسيره» (5/375):

«أي: عن أمر رسول الله ﷺ: سبيله هو ومنهاجه وطريقته وسنَّته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان، كما ثبت في «الصحيحين» [البخاري (2697)، ومسلم (1718)] وغيرهما عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ»؛ أي: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا ﴿ﮒ ﮓ ﮔ﴾؛ أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾؛ أي: في الدنيا أو حدّ أو حبس ونحو ذلك؟». اهـ

(3) وقال تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ [فاطر: 45] قال ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (6/304):

«أي: لو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل الأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا …. عن عبد الله بن مسعود قال: «كاد الجُعَلُ أن يعذّب في جُحْرِه بذنب ابن آدم، ثم قرأ [الآية].

وقال سعيد بن جبير والسُّدِّيُّ: أي: لما سقاهم المطر، فماتت جميع الدواب». اهـ

وقال القرطبيُّ في «الجامع لأحكام القرآن» (14/262):

«قوله تعالى: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ ؛ يعني: من الذنوب ﴿ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ قال ابن مسعود: يريد جميع الحيوان مِمَّا دبّ ودَرَجَ.

وقال قتادة: وقد فُعِل ذلك زمن نوح ڠ، وقال يحيى بن أبي كثير: أمَرَ رجلٌ بالمعروف ونهى عن المنكر، فقال له رجل: عليك بنفسك، فإن الظالم لا يضرّ إلَّا نفسه، فقال أبو هريرة: كذبت، والله الذي لا إله إلا هو، والذي نفسي بيده إن الحَبَارى [نوع من الطيور] لتموت هُزْلًا في وكرها بظلم الظالم.

وقال الثُّمالي ويحيى بن سلام في هذه الآية: يحبس الله المطر فيهلك كل شيء.

وقد مضى في سورة البقرة نحو هذا عن عكرمة ومجاهد في تفسير ﴿ﯔ ﯕ ﴾ [البقرة: 159] هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجَدْب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم.

وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب، قال: قال رسول الله ﷺ في قوله: ﴿ﯔ ﯕ ﴾ قال: «دوابُّ الأرض». ». اهـ.

قلت: قال القرطبي هناك عند الآية من سور البقرة: «أخرجه ابن ماجه [4021] في كتاب الفتن باب العقوبات] بإسناد حسن». اهـ

(4) وقال تعالى: ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﴾ [الشورى: 30].

قال القرطبيّ في «جامعه» (16/23-24):

«والمعنى: الذي أصابكم فيما مضى بما كسبت أيديكم، وقال عليّ ﭬ: «هذه الآية أرجَى آية في كتاب الله ۵، وإذا كان يُكفّر عنّي بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه!».

وقد روي هذا المعنى مرفوعًا عنه ﭬ قال علي بن أبي طالب: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله؟ حدثنا بها النبي ﷺ: ﴿ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﴾ قال ﷺ: «يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يُثنّي عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه» [قلت: ذكره ابن كثير في «تفسيره» (7/132) وعزاه للإمام أحمد في «مسنده» (649)، ورواه ابن أبي حاتم في «تفسيره» مرفوعًا، وصححه الشيخ أحمد شاكر، والحاكم في «المستدرك» ووافقه الذهبي حديث (8166)].

وقال الحسن: «دخلنا على عمران بن حصين فقال رجل: لابد أن أسألك عما أرى بك من وجع؛ فقال عمران: يا أخي لا تفعل! فوالله إني لأحب الوجع، ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله، قال الله تعالى [فذكر الآية]، فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربّي عما بقي أكثر».

وقيل لأبي سليمان الداراني: «ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ فقال: لأنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم».

وقال عكرمة: «ما من نكبة أصابت عبدًا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها، أو لينال درجة لم يكن يوصله إليه إلا بها». اهـ

(*) ليس لها من دون الله كاشفة:

قال الله تعالى: ﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الأنبياء: 30] قال أبو عبد الله القرطبيّ في «الجامع لأحكام القرآن» (11/157):

«وفي قوله تعالى ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء ، قاله قتادة. الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء، الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حيّ. قال قطرب: ﴿ﮞ ﴾ بمعنى خلقنا». اهـ

(*) قلت: والأقوال الثلاثة حق وصدق؛ لأن اللفظ المشترك في كل هذه المعاني يوجب القول بها، فإذا كان ذلك كذلك، فاعلم أن للاستسقاء -الذي هو طلب السقيا من الماء، وتلبية حوائجنا من الماء الذي هو الحياة وعدمها الموت وبقلة الماء يموت كل شيء حيّ- مستلزمات من الأحياء المسلمين المؤمنين والناس أجمعين، ولا يُتصور هذا ولا يُستوعب المطلوب، ولا يُفهم ويُفقه المرادُ، إلا بالوعي والإدراك لما فصّلته في هذه المقالة، من الرسائل التي ذكرتها وعَنَيْت التحدث فيها؛ لأن الشأن جِدّ عظيم والأمر كبير جسيم.

(*) قال الله تعالى: ﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [النحل: 97]، وقال سبحانه: ﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [الأنفال: 24]، وقال ۵: ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [الأنفال: 27]، وقال: ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [النحل: 112]، وقال سبحانه: ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [قريش: 3-4]، وقال: ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [المائدة: 7]، وقال: ﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ [المائدة: 15-16]، وقال: ﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [النحل: 90]، وقال: ﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحجرات: 1]، ومن الفروض والواجبات والتكليفات والمستلزمات الملحّة علينا، حتى لا نفقد قطرة الماء، ويزول عنّا الغيث، وتيْبَسُ الأرضُ، وتجفّ الأنهار والترع والآبار، ويهلك الحرث والنسل، ويفسد الدين والدنيا، وتعطل الصناعات والتجارات، ويكثر المرض والأوباء، وتعم الفتن، وتزلزل الشئون والأحوال، فإنه لابد من

(*) أهم النتائج والتوصيات:

1-   الرجوع إلى الكتاب والسنة والعمل بهما وألّا يُقَدَّم على اللهِ ورسولِه شيء كائنًا من كان.

2- التمسك بمثل ما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ، فإن الاعتصام بمنهجهم هو النجاة والسلامة والأمنة والأمان والحصن، وليس لها من دون الله كاشفة.

(*) فقد روى مسلم في «صحيحه» (2531) قال ﷺ: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهَبْتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمَنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»، فهذا القول الفصل، وليس لها من دون الله كاشفة.

3- اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وإنَّا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر، فملاك الأمر الاتباع، وإنما الدين الآثار، فقد قال ﷺ: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح].

4- الاستقامة على الأمر الحق، قال تعالى: ﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﴾ [هود: 112]، وقال ﷺ: «قل آمنت بالله ثم استقم» [مسلم: (38)]، وهذا ملاك الأمر كله.

5- العلمُ بالتعلم والتعليم، قال ﷺ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وقد جمع له السيوطي خمسين طريقًا وصححه [«الجامع الصغير»، و«فيض القدير» للمناوي (4/348)].

6- التدبر والتفكر في كتاب الله تعالى لاسيما ما ذكرته لك من هذه الآيات آنفًا، والتخلّق بآدابها وفقهها وشرحها والتبصّر فيها وإدراكها ووعيها والعمل بها معتقدًا وقولًا وعملًا، فإن الإيمان قول وعمل ونيّة واتباع السنة، وعلى هذا إجماع الصحابة قاطبة ومن بعدهم.

7- التمسك بكل الأعمال الصالحة والبر والتقوى والفروض والنوافل والإحسان والفضل والعدل، والبُعْد كل البعد عن الفسوق والعصيان والفحشاء والمنكر والبغي، فقد قال تعالى: ﴿ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [البقرة: 177].

8- بذل المجهود في تقصّي الحقائق والموضوعات المتعلقة بأحوال الأمة الإسلامية ومعرفة المكائد التي تُحاكُ بالمسلمين وما يراد بالأمة من سلب الخيرات ورغبة أعداء الدين في هدم البلاد والعباد، وإلحاقهم بكل ما يفسد أحوالهم، والسعي في إمراضهم وتدمير أراضيهم ومزارعهم ومياههم وضرب اقتصادهم وجيشهم ومؤسساتهم وشبابهم ودينهم وعقيدتهم وأخلاقهم، من خلال الوعي والفهم والعلم والإدراك والبصيرة وحسن التصور الصحيح؛ فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولن يتصور المسلمون ما يحاك بهم إلا بصحة التصور والفهم والعلم، وهذا من أخطر المهمات والأمور التي تقوم عليها دنيا الناس أجمعين.

9- وكذلك من أشد الأمور على الإطلاق خطورة المنظمات الإعلامية الدولية التي تُسيِّر شئون الدول – وهذا بقضاء الله وقدره سبحانه، قال تعالى: ﴿ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [القمر: 49]– والتي تتحكم في مصير الشعوب ﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يوسف: 21]، وهذا ممّا قدمت أيدينا من المعاصي، والفسوق والابتداع والشهوات والأهواء، والإعراض عن الكتاب والسنة والأدلة الشرعية، التي أوضحت وبيّنت وأجْلت الحقائق، وكشفت الغوامض، وما علينا إلا العمل. فكانت الاتجاهات الإعلامية الحديثة المتطورة المتميزة هي التي تحرّك وتنظم شئون الناس أجمعين، قال الله تعالى: ﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [آل عمران: 54]، وقوله تعالى: ﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [إبراهيم: 46-47]، وهنا تظهر منظومة السبب والمسبب والأصل الشرعي من الأخذ بالأسباب واعتبار العلل وتأثيرها على الناس.

10- الحرص المفرط بالاعتقاد الحق بحسن الظن واليقين بالله ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وهذا هو الخلاص والنّجاة والفوز العظيم مع الإيمان بالقضاء والقدر، وقدرة الله على كل شيء، وأنه حليم حكيم عليم بصير قادر فعّال لما يريد يقول للشيء كن فيكون، فهو حسبنا ووكيلنا، ولكن بضوابط ذلك والأخذ بالأسباب، قال تعالى: ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال: ﴿ﭓ  ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [البقرة: 2]، وقال: ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقرة: 194]، وقال: ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [المائدة: 27]، وقال: ﴿ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [الأنفال: 29]، والفرقان هو الفيصل بين الحق والباطل، وقال: ﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [الطلاق: 2-3]، وقال ۵: ﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [الصف: 5].

11- معرفة العلة والسبب الذي خلقنا الله له، قال: ﴿ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [البقرة: 21]، فقد خُلقنا لعبادة الله وهي الوسيلة للوصول للتقوى، وبها يستقيم دينك وتسلم من الشرّ، وبه تدفع المفاسد وتجلب المصالح، وفي قوله تعالى: ﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الذاريات: 56]، وهو الصلة والنَّسجُ والربط بين الدنيا والدين، والحكم يدور مع علّته وجودًا وعدمًا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

كتبه

الباحث الشرعي الدكتور/ عيد بن أبي السعود الكيال

دكتوراه من كلية الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر بالقاهرة.  

مواضيع مشابهة
من أرشيف الموقع
تابع الصفحات الرسمية للموقع
إجمالي عدد زوار المـوقع :
إجمالي الزيارات المتكررة :
SiteLock